أطلق الفنان شربل الأسمر المعروف باسم شربل مورينو، نسبة إلى الترجمة البرتغالية للأسمر تيمنا بجذور والدته البرازيلة، مقطوعات ألبومه الموسيقي الجديد عبر المنصات الإلكترونية بإنتظار إصدارها في شريط سي دي قريبا.
درس شربل مورينو العلوم السياسية وعلم النفس، عمل مترجما ويشغل حاليا منصبا مرموقا في أحد مصارف مونتريال، إلا الموسيقى فهو تمرّس فيها بالفطرة. منذ نعومة أظفاره، فتنته الميلوديا الحزينة التي تخلق فرحا لا متناهيا وتحدث فيه حالة خاصة وطقوسا يُستعصى على العقل فهمها وتحليلها.
تقصّ علي أمي أني بعمر السنتين وما أن بدأت استمع إلى فيروز تغني ’’زهرة المدائن‘‘ حتى انفجرت بالبكاء من دون توقف ولم يفهم أحد أسباب دموعي.
نقلا عن شربل مورينو، ملحن ومنتج موسيقي وريمكسر ودي جي
رافقت هذه الحالة المتحدث طيلة حياته وتنتابه حالة من البكاء الشديد كلما سمع موسيقى الأخوين عاصي ومنصور الرحباني وصوت السيدة فيروز. برأيه أن هذا البكاء هو بفعل الفرح والنشوة والاغتباط التي تحدثها في نفسه مجمل الأحاسيس التي تنقلها له الموسيقى الرحبانية التي تستدعي في شكل خاص الحزن والحنين. هذان الشعوران ذاتهما تحملهما معزوفته أيضا مع الفرق أنه يُلبِسها ثوب الفرح عبر التوزيع الإلكتروني الصاخب والسريع.
في العمق الموسيقى التي أقدمها تحمل لحنا حزينا استنبطه من كنوز الشرق وعبقه ولكن أقدمها في قالب من الفرح والبهجة.
نقلا عن شربل مورينو، ملحن ومنتج موسيقي وريمكسر ودي جي
تعاون مشترك أوكراني كندي
لا زال أبناء أوكرانيا قادرين على الإبداع والتميّز وتبقى هناك مساحة للتواصل عبر الموسيقى التي هي لغة عالمية تقرّب المسافات والثقافات بين أبناء الشعوب. من هذا المنطلق بدأ التعاون بين مورينو وعازف الكمان الأوكراني المرموق أولكسندر بوجيك (Oleksandr Bozhyk) بعدما تعرف إلى أعماله عبر الانترنيت. ولأول مرة يخصص مورينو، الذي كتب الألحان للكمنجة، مساحة كبيرة لهذه الآلة تصل إلى 80% من إجمالي موسيقى الألبوم الجديد.
ينقل مورينو الصعوبة التي رافقت تسجيل الألحان مباشرة من أوكرانيا، ’’حيث كان يتوقف كل شيء عندما تشتد المعارك ويضطر اولكسندر إلى مغادرة الاستديو والانتظار ريثما يهدأ القصف‘‘.
’ذكرني ذلك بأهوال الحرب التي عشتها في بيروت أنا أيضا‘‘، يقول المتحدث مستهزئا من سخرية الأقدار ، ويتساءل: ’’هل من الممكن أن يسود العدل والسلام في يوم من الأيام على هذه البسيطة وألا يسمع إلا صوت الميلوديا العذبة التي بها شفاء القلب والروح؟.
إنها تجربة فريدة من نوعها مع عازف أوكراني، يضيف مورينو، جمع فيما بيننا العامل الثقافي خصوصا أن أوكرانيا تجمع الذوق الغربي واللحن الشرقي بحكم تفاعلها وتأثرها بدول الجوار.
كان أولكسندر يصيب النوتة الشرقية من الضربة الأولى على وتره، ولا مرة على مدى سنة كاملة اضطررنا إلى إعادة التسجيل مرة ثانية. هذا التعاون المشترك هو من أجمل ما عشته في حياتي المهنية.
نقلا عن شربل مورينو، ملحن ومنتج موسيقي وريمكسر ودي جي
في بداية مشواره الفني، كانت الميلوديا بالنسبة لمورينو مجرد وسيلة تخدم الإطار العام فكان يكتب على سبيل المثال الموسيقى التصويرية للأفلام مقيدا نوعا ما بالموضوع العام لعمل سينمائي بعينه، أما اليوم فقد أصبحت موسيقاه غاية بذاتها وتكتمل فيها كل مقومات الأغنية.
على غرار الأغنية، تبدأ المقطوعة الموسيقية باللازمة ثم الكوبليه الأول لتعود اللازمة ومن ثم الكوبليه الثاني والختام مع اللازمة.
هذا التفصيل قد لا يكون بديهيا للمستمع العادي خصوصا أن الألبوم يشتمل على موسيقى صرفة ’’ولكن أصحاب الإحساس الموسيقي المرهف سيلاحظون هذا الأمر تماما كما لو أنهم يستمعون إلى أغنية تحمل مضمونا دراميا‘‘.
كالعنوان العام للألبوم، تحمل عناوين المقطوعات الموسيقية دلالة على الجسر الذي يبينه مورينو بين الشرق والغرب والانصهار الذي يحدثه بين العالمين. عناوين بالإنجليزية تارة وبالعربية أطوارا من ’’كمنجة‘‘ إلى ’’مزاج‘‘ إلى ’’East & West‘‘ و ’’أيوه بقى‘‘ بالعامية المصرية وغيرها من العناوين المختلطة بين الغرب والشرق، تنساب مثل انسياب الموسيقى ذاتها بكل طواعية وسلاسة وعذوبة وتحملك في طيّات نغماتها إلى عوالم رحبة جميلة.
في أصل تسمية ’’البنت الشلبية‘‘، يحق للفنان مورينو ما لا يحق لغيره، وإذا كان أهل الشرق يقولون إن التسمية فلسطينية الأصل وتعني الفتاة الجميلة، فهي بالنسبة لمورينو كلمة من أصول برتغالية، و’’شلب‘‘ أو ’’Silves‘‘ مدينة قديمة تقع في جنوب البرتغال و’’البنت الشلبية‘‘ هي الفتاة التي تنحدر من تلك المدينة. وهكذا تطبع أصول مورينو وثقافات الدول التي عاش فيها موسيقاه ويظهر جليا تأثره بكل تلك الحضارات. ولكن هذا الريمكسر المبدع يُلبس الميلوديا الأصلية حلّة العصر الرقمي المعاصر عبر التوزيع الإلكتروني السبّاق الذي يوقعه.
لعل أكبر صعوبة تواجه مورينو هي الإنتاج وتكاليفه إذ قلة هم المنتجون الذين يغامرون في خوض تجربة تمويل ألبوم موسيقي صرف ليس فيه غناء، لذلك فإنه إلى اليوم يتكبد كل نفقات الإنتاج الفني.
’’النتاج المنسي للأخوين رحباني‘‘
هذا لم يكن على الأقل في حالة الأخوين رحباني المؤلفين والكاتبين اللبنانيين اللذين وصل صيتهما إلى أصقاع الدنيا. ’’إنهما يشكلان الاستثناء وليس القاعدة‘‘ يقول مورينو الذي أنشأ عدة صفحات على مواقع التواصل الاجتماعي تُعرّف وتوثق الأعمال الرحبانية.
يملك المتحدث أرشيفا غنيا من هذه الأعمال جمعه طيلة عمره منذ كان يسافر إلى دمشق بسن المراهقة لشراء كل الأشرطة القديمة والنادرة من أعمال الأخوين رحباني وفيروز وصباح.
هذا الكنز الموسيقي وإن تأثر به ويشكل له معينا من الوحي لا ينضب إلا أن مورينو لن يقوم بأي ريمكس لنتاج هؤلاء العمالقة.
يجب أن تحافظ تلك الموسيقى الأصلية على حُلّتها وقدمها، تحاكي زمانها فحسب ليظل ذلك العبق الموسيقى الذي لن يتكرر إلى أجيال قادمة، إن فيروز والرحابنة وصباح يسكنون الأبراج العالية ’’اللي ما بتنطال‘‘ (التي لا يمكن بلوغها).
نقلا عن شربل مورينو، ملحن ومنتج موسيقي وريمكسر ودي جي