لم يكن محمد برهون يعلم أن ولعه بالكلمة سيكون له الدواء والداء في آن معاً. بعد خوض تجارب سياسية واجتماعية ريادية، اتجه الناشط الكندي المغربي إلى العمل الإذاعي حيث يستطيع أن يبلور أفكاره بكل حرية. هذا المتمرد منذ نعومة أظفاره لم يكن يعلم ما يخبئه له المستقبل وكيف سيتم إقصاؤه عن مداعبة أحلام الطفولة والتواصل مع الأرحام في بلده الأم ومسقط رأسه الرباط. زيارة أخيرة إلى مسقط رأسه ستقلب حياته راسا على عقب.
في العناق الأخير بيني وبين والدتي، انهمرت دموع كلينا، مثل الأطفال أجهش كلانا بالبكاء. إنه الوداع الأخير، فلا أنا أستطيع الرجوع، ولا هي بسنها الذي ناهز الـ 85 عاما مع أمراض مزمنة تعاني منها، تستطيع أن تأتي لزيارتي ولقاء أحفادها في كندا.
نقلا عن محمد برهون، ناشط سياسي واجتماعي
هذا المشهد جرى في شهر أيار / مايو الماضي في ختام زيارة مفاجئة وقصيرة إلى المملكة المغربية قام بها المتحدث، استدعاها مرض والدته التي تعيش في الرباط، ’’أنا ابنها البكر وتربطني بها علاقة خاصة بطبيعة الحال‘‘.
لن تستطيع هذه الأم بعد اليوم رؤية ابنها وأولاده. وتدفعها ’’التهديدات التي تتلقاها باستمرار إلى ترجي ابنها والتوسل إليه لكي لا يأتي إلى زيارتها بعد اليوم حفاظا على حياته‘‘.
تتسارع خفقات قلب محمد برهون ويتلعثم لسانه وتملأ الغصة حنجرته، يسود صمت طويل و تغرورق عيناه بالدموع، يقول: ’’مؤلم كثيرا هذا الشعور الذي يجتاحني، أشعر بحزن وأسى شديدين وأود لو أغمض عينيّ وأفتحهما من جديد وأرى أمي قبالتي، أعانقها بدفء وحرارة وشوق، أشتم عبقها ولا ينتهي أبدا هذا الوصال‘‘.
لا زالت والدتي تتلقى التهديد والترهيب، وقد أتاها أحد الأقرباء مدفوعا من السلطات الأمنية المغربية يقول لها :نحن نعلم بما يقوم به ابنك في كندا ومن مصلحته أن يتوقف عن تلك الأفعال وإلا فهو عندما سيدخل مرة أخرى إلى المغرب لن يخرج منها أبدا.
نقلا عن محمد برهون، ناشط سياسي واجتماعي
’’اسمي على قائمة الاشخاص غير المرغوب بهم الذين يزعجون السلطات المغربية‘‘
تبدلت حياة الناشط محمد برهون بعد تلك الزيارة في شهر مايو المنصرم وأمسى شغله الشاغل الحفاظ على حياة أحبته في المغرب، وفي الوقت ذاته استعادة مساحة الحرية وممارستها من دون أن يتكبد خسائر باهظة الثمن معنوية وربما جسدية أيضا.
يسرد المتحدث تفاصيل عن تعرضه ’’لمضايقات وتهديدات تقف وراءها السلطات الأمنية والسياسية في المملكة المغربية‘‘. كل ذلك ’’بسبب ممارسته لحريته الشخصية وحقه المشروع في التعبير عن أفكاره وتطلعاته‘‘، علما أن له ما يقوله في التجربة الاجتماعية والسياسية والحقوقية بحكم أنه يملك العلم والخبرة في هذه المجالات، كما حقق سمعة طيبة في كيبيك وتقلّد مناصب رفيعة.
تعود التفاصيل كما يرويها محمد برهون إلى يوم إعلانه قبل عامين عن استضافة معارضين سياسيين للنظامو في المغرب في برنامجه الإذاعي ’’جذور‘‘ الذي يقدمه على موجة إذاعية محلية في مدينة مونتريال (Radio Centre-Ville).
يذكر أن هذا الحوار الإذاعي تم فقط الإعلان عنه على مدار اسبوعين على مواقع التواصل الاجتماعي، من دون أن يصار إلى إجرائه بالفعل. وذلك بسبب تدابير الحجر والاقفال العام في بداية جائحة كوفيد-19 في كيبيك في آذار / مارس 2020.
يوضح المتحدث بأن ضيوفه كانوا سيخوضون في مساءلة السلطات المغربية وفي السبل الناجعة لإحداث التغيير والتطوير في المجتمع المغربي، ’’مناشدين السلطات المغربية الإفراج عن سجناء الرأي ووقف الاعتقالات بحق النشطاء والمدافعين عن الحريات الفردية. كل ذلك حق مشروع‘‘، يكرر المتحدث مؤكدا أنه لم يخض يوما ’’في مناقشة المرتكزات الدستورية والسياسية في المغرب‘‘.
كنت أعتبر دائما أن ما أقوم به هو حرية شخصية، يتوافق مع ما أؤمن به من عدالة اجتماعية وحرية في إبداء الرأي والتعبير. لم يخطر ببالي أن السلطة في المغرب تترصد لي و تنتظر قدومي لكي تمارس بحقي شتى أنواع المضايقات والتهديدات بدءاً بالترغيب وانتهاءً بالترهيب. إنني مواطن كندي أمارس حقوقي الشرعية واستضيف الرأي والرأي المعاكس على منبري الاعلامي الحر.
نقلا عن محمد برهون، معد ومقدم برنامج ’’جذور‘‘ على موجة إذاعة Radio Centre Ville في مونتريال
يشير المتحدث إلى أن الأفكار التي يناقشها أكان في البوستات التي ينشرها على فيسبوك أو في البرنامج الإذاعي ’’جذور‘‘ الذي يقدمه باللغة الفرنسية، تحترم كل القواعد المرعية الإجراء في كندا في ما يتعلق بالتعبير والمطالبة بعالم أفضل. يقول برهون ’’لي ملء الحق في الاتفاق او عدم الاتفاق مع الذين يمسكون بزمام السلطة وفي التعبير عن هذه الآراء بالطريق السلمية‘‘.
’’الوضع ليس بخير..المغرب على صفيح ساخن والسلم والأمن القومي مهددان‘‘
هذا الكلام كرره محمد برهون أكثر من مرة خلال حواري معه، وبرأيه فإن السلطة المغربية تسيء التعامل مع مطالب النشطاء والحقوقيين، وتحاول تكميم أفواههم مستخدمة سياسة أمنية متشددة ’’وتزج في السجون جميع المناضلين الأحرار، مما يزيد الطين بلّة ويدفع أكثر فأكثر إلى خلق التوتر في البلاد مما يهدد السلم الأهلي‘‘.
تستخدم السلطات المغربية أساليب حقيرة للنيل من المناضلين الأحرار، لأنها ترى في تحرّكهم السلمي تهديدا لصورتها في الخارج. كل ما تقوم به هذه السلطة هو أنها لا تستمع إلى صوت الشعب. ما ذبب ’’معتقلي حراك الريف‘‘؟ هم فقط طالبوا بعدم تهميشهم وببعض الحقوق الاجتماعية والاقتصادية لإنعاش مناطقهم. كذلك فإن حركة شباب 20 فبراير2011، التي ضمت نشطاء طالبوا بإصلاحات في المغرب، تم احتوائهم من قبل السلطة بطريقة مبتذلة. وتستمر هذه السلطة في شراء الذمم[…] ولكن لعل ما يقلق راحتها فعلا هو تحرك المغاربة في الانتشار لأنها لن تستطيع تكميم أفواههم بطريقة مباشرة.
نقلا عن محمد برهون، ناشط حقوقي وسياسي واجتماعي
في سياق متصل، ندد المتحدث ’’بسلسلة الاعتقالات التي يشهدها المغرب في الآونة الأخيرة بحق النشطاء الحقوقيين وأصحاب الأقلام الحرة‘‘. يتابع المتحدث بأن ’’هؤلاء يتم احتجازهم بتهم ملفقة وواهية، ويتم تجريدهم من كل الحقوق ويتعرضون لظروف قاسية للغاية في السجون، بما في ذلك الحبس الانفرادي المطول وغير المحدود، في انتهاك لحظر التعذيب وغيره من ضروب سوء المعاملة‘‘. يأتي المتحدث على ذكر بعض الأسماء لهؤلاء السجناء بينهم الأكاديمي والناشط الحقوقي المعطي منجب، الذي كان محتجزًا في سجن العرجات بالقرب من العاصمة الرباط، وهو اليوم يخضع لإجراء تعسفي منذ أكتوبر / تشرين الأول 2020، يمنعه من مغادرة البلاد ويفرض عليه الإقامة الجبرية.
يذكر برهون أيضا الصحافي سليمان الريسوني، رئيس تحرير جريدة ’’أخبار اليوم‘‘ في المغرب، الذي صدر بحقه حكم بالسجن لمدة خمس سنوات في تموز / يوليو 2021، ’’فقط لأنه تجرأ ودعا إلى الإصلاح السياسي‘‘. نفذ الريسوني إضرابا عن الطعام لأكثر من 90 يوما احتجاجا على محاكمته وسجنه. وكان أودع في السجن الاحتياطي في شهر مايو/أيار 2020 على خلفية اتهامات وجهت إليه تتعلق بقضية اعتداء جنسي.
’’إنها الإجراءات فحسب‘‘
يخوض المتحدث في تفاصيل الأحداث التي طبعت زيارته الأخيرة إلى المغرب في شهر مايوالمنصرم. ’’كان كل شيء يسير على مايرام حتى اليوم الخامس حين تلقيت تهديدا جسديا من مجهولين داخل مقهى عام في الرباط.، هؤلاء ادعوا أنهم ينتمون إلى جهاز الأمن. نشرت على إثر ذلك تفاصيل ما تعرضت له في بوست على فيسبوك. ليدق بابي في اليوم التالي أفراد من الشرطة القضائية، علما أنني أجرتُ سكنا كان من المفروض ألا يعلم أحد بمكانه. استدعاني هؤلاء إلى مركز الشرطة القضائية في الرباط بحجة التحقيق في الحادثة ومعرفة الجناة المجهولين. هناك قام سبعة أشخاص بالتحقيق معي لمدة ساعتين ونصف الساعة، تلقوا خلالها أكثر من 20 مكالمة هاتفية‘‘.
’’إنها إجراءات طبيعية، كرر لي مجموع المحققين يومها، وانهالوا علي بوابل من الأسئلة بعدما حجزوا هاتفي الخليوي. ركزت الأسئلة على الشخصيات المعارضة التي كنت أعد لاستضافتها في برنامجي الإذاعي وكيف تعرفت إليها‘‘.
قالوا لي بعد الاستجواب: مرحبا بك في بلدك، ما تعرضت له هو حادث عابر، لا تأخذ في بالك[…] لا داعي للقلق والخوف، اذهب إلى بيتك وليكن لك الفرح.
نقلا عن محمد برهون، المدير العام التنفيذي في منظمة REPERE في مونتريال
يسهب المتحدث في شرح المعاناة النفسية التي عاشها إثر هذا الاستجواب، وكيف أنه لم يعد يشعر بالأمان لدرجة أنه لم يحرك سيارته من مكانها، ملازما البيت. ’’عشت رعبا وخوفا حقيقيا قبل أن يرافقني أصدقاء حقوقيون إلى المطار لاستقلال الطائرة عائدا إلى كندا‘‘.
مجموعة نصائح وتوجيهات حفظها عن ظهر قلب محمد برهون أسداها له حقوقيون. منها عدم إيجار لا سكن ولا سيارة، عدم القيادة ليلا والابتعاد عن الأماكن غير الآهلة وفي شكل خاص عدم التعرّي حتى في صالون بيته أو غرفة نومه‘‘.
التزام بالتوصية الكندية بحذافيرها
بالإضافة إلى العناية التي حظي بها من جهات حقوقية في المغرب، فإن محمد برهون اتبع ايضا توصيات وزير ليبرالي في الحكومة الفيدرالية الكندية، كان يواكب كل ما يتعرض له في بلده الأم. أوصاه الوزير الكندي بعدم الإتيان بأي فعل يمكن أن يستفز السلطات الأمنية والسياسية في المغرب حفاظا على سلامته. ’’نصحني الوزير الصديق بالابتعاد عما قد يزيد في تعميق المشكلة، عدم كتابة البوستات على مواقع التواصل الاجتماعي وعدم الإدلاء بأي أحاديث ومقابلات صحافية قبل عودتي إلى كندا‘‘.
تؤكد المسؤولة الإعلامية في الفرع الكندي الفرنكوفوني في منظمة العفو الدولية كاميل دوكروكيه (Camille Ducroquet) خلال حوار أجريته معها ’’بأن السلطات المغربية تمارس المضايقات وسياسة الترهيب بحق نشطاء الرأي من خلال تحقيقات قضائية لا أساس لها وتهم ملفقة، في محاولة لإسكات الأصوات المنتقدة وعرقلة النشاط السلمي‘‘.
في سياق متصل، يشير تقرير لمنظمة العفو الدولية ( Amnistie Internationale) إلى ’’أن المدافعين عن حقوق الإنسان والصحافيين ومستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي والأكاديميين والناشطين في المملكة المغربية يتعرضون للقمع بسبب ممارستهم المشروعة لحرية التعبير. وقد تم القبض عام 2021 على ما لا يقل عن سبعة أشخاص أو تقديمهم للمحاكمة، فقط لأنهم تجرأوا وعبروا عن رأيهم‘‘.
يورد محمد برهون وكذلك السيدة دوكروكيه قضية الصحافي المستقل والناشط الحقوقي عمر الراضي، الذي ينتقد السلطات المغربية. يدين المتحدثان، كما أدانت منظمة ’’مراسلون بلا حدود‘‘، حكم السجن لـ 6 سنوات الذي صدر بحقه في تموز / يوليو 2021 بتهمة التجسس والاغتصاب، ’’إثر محاكمة لم تلتزم بمعايير العدالة الدولية‘‘. وعلى وجه الخصوص، تقول المسؤولة في منظمة العفو الدولية ’’لم يكن عمر الراضي قادراً على ممارسة حقه في معرفة كافة الأدلة المقدمة ضده والإعتراض عليها‘‘. يوضح محمد برهون من جهته بأن ’’جرم الراضي أنه نشر تغريدة في نيسان / ابريل 2019، ينتقد فيها قاضيا حكم بالسجن على نشطاء في الاحتجاجات التي شهدتها منطقة الريف بين 2016 و2017، والتي عرفت بــ ’’حراك الريف‘‘.
هذا وناشدت دوكروكيه السلطات الأمنية في المغرب ’’بالتوقف عن استجواب النشطاء ومقاضاتهم لمجرد ممارسة حقهم المشروع في حرية التعبير‘‘.
الترغيب طورا والترهيب أطوارا
يشير محمد برهون إلى أن ما تعرض له خلال زيارته الأخيرة إلى المغرب، هو رسالة لجميع أبناء المغرب الموجودين في كندا وفي بلاد الانتشار أرادت تمريرها السلطات في بلده الأم. هذه الرسالة تحمل تحذيرا مباشرا وواضحا بأنهم سيلقون المصير ذاته في حال رفعوا الصوت عاليا. ’’إنها سياسة تكميم الأفواه التي تعتمدها السلطات المغربية بالترغيب طورا والترهيب أطوارا. لا سيما أن الكثير من المعارضين من أبناء المغرب قرروا اللجوء إلى كندا‘‘. في هذا الإطار، وجه المتحدث الشكر إلى السلطات الكندية التي قبلت مؤخرا طلب اللجوء السياسي للمعارض المغربي مصطفى المومني، الذي لم يسلم من المضايقات والتهديدات حتى في فرنسا. لتشكل له كندا ملاذا أكثر أماناً من أوروبا‘‘. يقول محمد برهون ’’إن السلطات المغربية تنتهج سياسة تجميل الصورة محاولة أن تظهر بمظهر البلد المنفتح والمتقدم اقتصاديا، وتصرف الأموال الطائلة في الترويج للثقافة والسياحة والأكل واللباس.
في سياسة الترغيب، يشرح محمد برهون أن الجهات المغربية التي اتصلت به في كندا للضغط عليه بعدم الخوض في مواضيع تزعج السلطات المغربية، مدحت شخصه وحضوره في المشهد السياسي الكندي، وحذرته بلطف من أنه بغنى عن الانغماس في مواقف ومطالبات تجرّ له المشاكل وتفتح عليه الأبواب المغلقة. ونصحته هذه الجهات بنشر بوست أو مقال يؤكد فيه التزامه بالمنهج السياسي للمملكة المغربية و إيمانه بالتقدم الذي أحرزته على صعيد الحقوق والحريات.
أما الترهيب الذي تعرض له المتحدث، فكان بعدما فشلت كل طرق الترغيب. وقد وجه إليه أحد الاشخاص في المغرب رسالة مبطنة قال له فيها: ’’لا تظن بأنك إذا خرجت من المغرب فأنت في أمان، يمكن أن تتعرض لمضايقات حتى وانت تعيش في كندا‘‘. هذا وينقل المتحدث بأن حسابه على مواقع التواصل الاجتماعي يتعرض في كل يوم للتهكير وهو يعلم تماما بأن هناك عيون تترصد كل تحركاته هنا في كندا.
’’ولدتني أمي متمردا شغوفا بالحريات الفردية والعدالة الاجتماعية‘‘
لا شيء يثني محمد برهون عن الاستمرار في المسيرة التي بدأها، وإن اعتمد اليوم الخفر في المواجهة وإعلاء الصوت.
ما قيمة العيش إذا تخلينا عن مبادئنا؟ هي تجعل لحياتنا قيمة، فما قيمة الوجود إن هي اضمحلت وماتت؟ هذا الإرث في العناد من أجل الحق والحرية والحفاظ على القيم الإنسانية أنقله لأولادي وأحفادي من بعدي. سأستمر في الدفاع عن الحريات والتعددية الثقافية، حتى لو كانت حياتي مهددة بالخطر، فأنا من دون كل هذه القيم أموت ايضا.
نقلا عن محمد برهون، ناشط سياسي واجتماعي
كانت حياة محمد برهون تسير على مايرام عندما أنهى دراسته في الحقوق في جامعة محمد الخامس في الرباط ودخل معترك العمل في الإدارات الحكومية وحتى ترشح لمنصب بلدي. لم يمض وقت طويل حتى أيقن أنه لا يستطيع تحقيق طموحاته في مجتمعه الأم الذي يفتقر إلى الانفتاح. صدم أيضا ’’بالنظام البيروقراطي وبأنواع الغش والتزوير وشراء الذمم والاصوات‘‘. مما دفعه إلى حزم حقائبه واتخاذ قرار الرحيل ليصل إلى مونتريال في العام 2001.
خوض المعترك السياسي
راقت لمحمد برهون مبادىء الحزب الليبرالي في كيبيك، التي تجيب على طموحاته و النموذج السياسي الذي يؤمن به المرتكز على الأيديولوجية الديمقراطية الاجتماعية. انتسب إلى هذا الحزب وخاض الانتخابات المحلية الأخيرة في كيبيك عام 2018 في دائرة لونغُويْ (Longueuil). خسارته في الانتخابات ليست السبب وراء عدم رغبته في الترشح في الانتخابات المقبلة المرتقبة في الثاني من شهر تشرين الأول / أكتوبر المقبل. بل إن السبب في ذلك يعود إلى ’’ابتعاد الحزب عن قيمه الاساسية خصوصا تلك المتعلقة بالتعددية الثقافية، الدفاع عن الأقليات والحريات الشخصية وكذلك انتماء كيبيك إلى الاتحادية الكندية‘‘.
لم يعد الحزب الليبرالي في كيبيك حزبا وسطيا، مرة نجده يمينيا أكثر من حزب التحالف من أجل مستقبل كيبيك (CAQ) على رأس السلطة اليوم، ومرة أخرى نجده يساريا أكثر تطرفا من حزب التضامن الكيبيكي (Québec Solidaire). إن الحزب الليبرالي في كيبيك مقبل على أسوأ مرحلة شهدها في تاريخه باعتقادي الشخصي.
نقلا عن محمد برهون، مرشح عن الحزب الليبرالي في الانتخابات المحلية في مقاطعة كيبيك التي جرت عام 2018
ينعي المتحدث ’’الرحيل الجماعي الكثيف لنواب ليبراليين وانفصالهم عن الحزب وإفراغ الحزب من كوادره‘‘. هذا ويتوقع محمد برهون فوزا ساحقا لحزب الـ’’كاك‘‘ واحتفاظه بالسلطة في الانتخابات المحلية المقبلة، وكذلك كسب حزب التضامن الكيبيكي للمزيد من المقاعد في مونتريال على حساب الليبراليين، كما يستشرف السياسي المخضرم محمد برهون.
وإذا لم تستطع السياسة إبهار محمد برهون، فإنه وجد نفسه في العمل الاجتماعي والإعلامي وحقق أشواطا مهمة وانجازات تعوضه عن كل منصب سياسي.
عدّل المتحدث في مونتريال شهادة الحقوق ولكن وجد نفسه في مجال آخر مختلف تماما وهو العمل الاجتماعي الذي يشبع نهمه وعشقه للأيديولوجية الاجتماعية الديمقراطية. في منظمة ’’روبير‘‘ (REPERE) غير الربحية التي تعنى بالمشاكل الأسرية وخصوصا بمشاكل الآباء مع ابنائهم، تقلّد محمد برهون عدة مناصب داخل هذه المنظمة ليتبوأ أخيرا منصب المدير التنفيذي. تعرف بحكم عمله على النظام السياسي الاجتماعي في كيبيك، واستلم عدة مناصب حساسة في عدة جمعيات تهتم بالأسرة. رأس لجنة الجاليات الثقافية في الحزب الليبرالي في كيبيك بين عامي 2017 و 2020. ’’أنا الوحيد الذي تم انتخابه عن جدارة واستحقاق في هذا المنصب وليس تعيينه، وقد استقلت بنفسي من هذا المنصب عندما وجدت ان الحزب الليبرالي في كيبيك قد ابتعد عن مساره‘‘، يقول المتحدث.
وطني لو شُغِلْتُ بالخلد عنه … نازعتني إليه في الخلد نفسي
يحاول المتحدث أن يوصف سرّ تعلقه بوطنه الأم، فلا يجد أصدق تعبيرا من هذا الكلام لأمير الشعراء أحمد شوقي.
…لكن بلدي جار علي كثيراً جداً هذه المرة، لا أقدر أن أقول كما في كل مرة إنه حادث عابر و أطوي الصفحة، صعب صعب جداً ما مررتُ به وسيبقى محفورا في قلبي وعقلي لأمد طويل.
نقلا عن محمد برهون، ناشط سياسي واجتماعي كندي مغربي
(أعدت التقرير كوليت ضرغام منصف)