أعادت الهجمات الأمريكية الأخيرة على المقاتلين المتحالفين مع إيران في سوريا طرح الأسئلة عن أسباب وجدوى وجود القوات الأمريكية في هذا البلد. يقول البعض إنهم لا يفعلون ما يكفي وأن السياسة الأمريكية في سوريا شديدة الغموض.
أعاد قصف الولايات المتحدة لمقاتلين متحالفين مع إيران في سوريا الأسبوع الماضي طرح السؤال القديم نفسه من جديد: “ماذا ما زلنا نفعل في سوريا؟”، حسب أحد العناوين الصحفية.
وأعلن الجيش الأمريكي انه قتل اربعة عناصر من مجموعات مسلحة مدعومة من إيران في شرق سوريا، وذلك رداً على قصف صاروخي أدى إلى إصابة جنود أمريكيين في المنطقة. كما دمر الطيران الأمريكي آليات وقاذفات صواريخ ومخازن. وتنفي إيران أن يكون لها أي علاقة بالجماعات أو الأهداف التي هاجمتها الولايات المتحدة.
ونشر السياسي الأمريكي، كريس مورفي، الذي يرأس اللجنة الفرعية للعلاقات الخارجية الأمريكية، بياناً يشكك في “الحكمة من انتشار هذا العدد الكبير من الأمريكيين في تلك المنطقة”.
وقالت دارين خليفة، وهي محللة مختصة بالشأن السوري في “مجموعة الأزمات الدولية”، لـ DW: “كلما تعرضت القوات الأمريكية هناك لهجوم، يبرز السؤال من جديد: لماذا هم هناك؟”.
في خطاب بتاريخ 25 آب/أغسطس موجه للكونغرس، أوضح الرئيس جو بايدن سبب أمره بشن الضربات الانتقامية: “من أجل حماية والدفاع عن سلامة موظفينا، ولإضعاف وتعطيل سلسلة الهجمات المستمرة ضد الولايات المتحدة وشركائنا. وردع.. المزيد من الهجمات”.
في وقت سابق من شهر آب/أغسطس، تعرضت قاعدة التنف الأمريكية، بالقرب من نقطة التقاء الحدود السورية والأردنية والعراقية، لهجوم من طائرات بدون طيار. كما استهدفت الصواريخ قواعد أمريكية أخرى، تعرف باسم “غرين فيليدج” و”كونيكو” في محافظة دير الزور الواقعة في أقصى شرق سوريا، ولم تسفر تلك الهجمات عن إصابات.
سياسة خارجية غامضة
تتمركز القوات الأمريكية في سوريا منذ عام 2015، واليوم لا يزال هناك حوالي 900 جندي أمريكي منتشرين في المنطقة المعروفة باسم “منطقة شرق سوريا الأمنية”. تلك القوات، إلى جانب حوالي 2500 عسكري متمركزين في العراق، هي ظاهرياً جزء من “عملية العزم الصلب”، أي التحالف الدولي لهزيمة الجماعة المتطرفة المعروفة باسم “الدولة الإسلامية” (داعش)”.
ولكن بالنظر إلى تدهور قوة وقدرات “داعش” بشكل كبير، فإن بعض الأمريكيين يشككون في سياسة بلادهم في سوريا.
قال جيفري فيلتمان، مساعد وزيرة الخارجية الأمريكية السابق لشؤون الشرق الأدنى، في مقال في كانون الثاني/يناير 2021 نشر في الموقع الإلكتروني لمركز أبحاث Quincy Institute for Responsible Statecraft: “باستثناء مواجهة تهديد داعش في شمال شرق سوريا، فشلت السياسة الأمريكية منذ عام 2011 في تحقيق نتائج إيجابية”.
وفي أيلول/سبتمبر 2021، كتب عبد الرحمن المصري، الزميل السابق في “قسم رفيق الحريري والشرق الأوسط” في مركز أبحاث “Atlantic Council” في واشنطن: “لم توجد سياسة قائمة بذاتها ومتسقة تجاه سوريا من قبل الإدارات الأمريكية المتعاقبة منذ بداية الصراع في 2011. الولايات المتحدة لا تعرف ما تريده في سوريا. كل من الأصدقاء والأعداء يدركون ذلك”.
أولويات واشنطن في سوريا؟
أمرت الحكومة الأمريكية العام الماضي بمراجعة سياستها تجاه سوريا. بعد الانتهاء من ذلك في أواخر عام 2021، تم تحديد أربع أولويات تتعلق بوجود القوات الأمريكية في سوريا.
أولاً، الحفاظ على زخم مكافحة وقتال تنظيم “الدولة الإسلامية” المتطرف. ويشمل ذلك المساعدة في تدريب وتسليح المقاتلين الأكراد السوريين، المعروفين باسم قوات سوريا الديمقراطية (قسد) ، الذين قاتلوا تنظيم “الدولة الإسلامية” والذين يسيطرون الآن على هذا الجزء من سوريا.
كذلك تشمل الأولويات الأمريكية الأخرى في سوريا دعم عمليات وقف إطلاق النار السارية في عدة مناطق في سوريا، وتحقيق الاستقرار في المنطقة، والمساعدة في وصول المساعدات الإنسانية، فضلاً عن “الضغط من أجل تحقيق محاسبة (مجرمي الحرب) واحترام القانون الدولي، مع تعزيز حقوق الإنسان، وعدم انتشار (سلاح الدمار السامل)”.
كل هذا من المفترض أن يساعد في تحقيق حل سياسي للأزمة السورية المستمرة، على النحو المنصوص عليه في القرار 2254، الذي أصدره عليه مجلس الأمن الدولي في عام 2015.
تقول “قوات سوريا الديمقراطية” إنها فقدت 11 ألف مقاتل في مكافحة “داعش”
“خجولة” و”فاترة”
ولكن وكما اشتكى المحللون الذين أطلعوا على أهداف السياسة الجديدة بعد إعلانها، فإن السياسة الأمريكية في سوريا لا تزال “خجولة” و”فاترة”.
“الأمريكيون لا يريدون خوض قتال كبير في سوريا. لم تحدد واشنطن بعد مصلحة استراتيجية في سوريا تبرر حرباً كبرى هناك”، هذا ما قاله روبرت فورد، سفير الولايات المتحدة السابق في سوريا، في افتتاحية لصحيفة “الشرق الأوسط” الممولة من السعودية في أيار/مايو من هذا العام.
في مقال آخر نشر في “قسم رفيق الحريري والشرق الأوسط” في مركز أبحاث “Atlantic Council” في كانون الثاني/يناير من هذا العام، أعرب الباحث السوري، عبد الرحمن المصري عن قلقه من أن أهداف السياسة الجديدة تعكس في الواقع مزيداً من عدم الاهتمام ويمكن أن تشير إلى انسحاب الولايات المتحدة من المنطقة.
عامل “توازن”؟
بالرغم من كل الانتقادات السابقة وغيرها، ترى دارين خليفة، المحللة المختصة بالشأن السوري في “مجموعة الأزمات الدولية”، أن الولايات المتحدة تلعب دوراً مهماً في تحقيق الاستقرار في شمال شرق سوريا: “أعتقد أن الكثير من الناس يقللون من شأن ذلك. إنها [الولايات المتحدة] تبقي الضغط على داعش وتمنع الفوضى”. وبهذا، فهي تعني أنه بمجرد وجودها هناك، فإن الوجود الأمريكي يمنع القوات التركية من التقدم هناك ومحاربة القوات الكردية، حلفاء الولايات المتحدة، فضلاً عن منع تقدم الروس والإيرانيين والنظام السوري نفسه.
وأضافت خليفة “إنهم يحافظون على توازن قوى يحمي ملايين السوريين في هذه المنطقة. هناك عواقب لوجودهم وهي في الغالب إيجابية، لنكون صادقين. هذا شيء لا يحب الكثير من صانعي السياسة الأمريكيين التحدث عنه، لأن تفويضهم كان فقط لمحاربة داعش، وليس حماية المدنيين”.
الكثير من عدم الأسئلة المفتوحة
في الوقت نفسه، تتفق خليفة بالرأي مع منتقدي الوجود الأمريكي في سوريا في الإشارة إلى إخفاقات السياسة: “لا نعرف، على سبيل المثال، كم من الوقت يريدون أن يظلوا هناك. لا نعرف لماذا، أثناء وجودهم هناك، لا يحاولون حل بعض المشكلات الأساسية [في المنطقة]، وهي المشكلات التي من شأنها أن تعاود الظهور بمجرد مغادرتهم”. أحد الأمثلة هو تزايد احتمال قيام تركيا بشن المزيد من الهجمات ضد قوات سوريا الديمقراطية. وأشارت خليفة إلى أن “هذه التوترات تضاعفت بدعم الولايات المتحدة لقوات سوريا الديمقراطية. إنها مشكلة لن تختفي من تلقاء نفسها. في النهاية، تركيا هناك لتبقى”.
وأشار خبراء آخرون إلى أن قوات سوريا الديمقراطية، التي لا تعرف إلى متى سيبقى حلفاؤها الأمريكيون، قد تلجأ بشكل متزايد إلى روسيا لتأمين مستقبلها. الجيش الروسي موجود أيضاً في سوريا ويدعم الديكتاتور السوري بشار الأسد.
وتشكك دارين خليفة في أن الساسة الأمريكيين وجدوا أنه من الأسهل عدم التطرق لهذه الأسئلة الصعبة وكل ما قاموا به هو “ركل العلبة إلى الطريق حتى تصبح مشكلة شخص آخر”.
وتابعت لـDW: “في الأساس، لا يتعلق الأمر بما إذا كان على الولايات المتحدة البقاء أو المغادرة. يتعلق الأمر بكيفية استخدام الأمريكيين لوجودهم على أفضل وجه والمساعدة في إيجاد حل وسط يوفر ما يكفي من الرضا لجميع الأطراف المعنية”. وتختم خليفة قائلة: “لن يكون الجميع سعداء. ولكن يجب أن يكون كل طرف راضياً بما يكفي لعدم تفجير الأمور”.
كاترين شاير/خ.س