عد انقطاعه عقدا كاملا عن إحياء الحفلات في كندا، يعود ’’ملك الراي‘‘ الفنان الجزائري خالد للقاء جمهوره في مونتريال. مجموعة من المحاور يتطرق إليها من لقّب بالأسطورة في سماء الأغنية العالمية في حديثه إلى القسم العربي في راديو كندا الدولي بدءا من حلمه الصغير الأول إلى أحلامه الكبيرة اليوم.
لمَ هو مقّل في انتاج الألبومات (ثمانية فقط في مشوار فني عمره نحو نصف قرن)؟ هل يعيش الفرح الذي يُغّنيه؟ ما رأيه بالسياسة والسياسيين وما أكثر ما يشتاق إليه في مسقط رأسه وهران شمال غرب الجزائر؟ أسئلة يجيب عليها أسطورة موسيقى الراي بالفلسفة حينا والطرفة والضحك أحيانا معرّجا على أمثال وحكم شعبية مسترسلا في قصّ ذكريات عمر الطفولة مؤكدا على يقينه بأن يد الله ترعاه في كل خطوة.
خفّة ظلّ، تواضع وبساطة
لم يتملكه غرور الشهرة ولم تُغرِه أضواؤها، يتحدث الفنان الشهير بكل بساطة وعفوية. جاب خالد العالم واعتلى أرقى وأفخم المسارح عبر الكرة الأرضية خلال مسيرة تمتد على نحو نصف قرن توّجت بالعديد من الجوائز والأوسمة وتحقيق مبيعات قياسية للألبومات، ومع ذلك يقول خالد ’’إنه يشعر بالرهبة في كل مرة يعتلي فيها خشبة المسرح للقاء جمهوره‘‘. ’’هذا الرهاب للمسرح برأي خالد لا بد منه لكل فنان وإلا فهو ليس فنانا حقيقيا‘‘.
لذة قصوى تدغدغ مشاعري لأنني استطعت كسر كل الحواجز ووصلت إلى الداني والقاصي في أصقاع الدنيا، كل العالم يسمع ديدي وعايشة وC’est La Vie و يدندنون على إيقاع الحياة الممتلئة بهجة وفرحا وسرورا.
نقلا عن خالد
ولكن ليس بالضرورة أن هذا الفرح الذي تشيعه أغنية خالد ينبع من داخله أو يعبر عن واقعه. يقول الفنان الجزائري:
’’إنني معروف عند الناس بصوتي الذي يشيع الفرح وبأنني صاحب أجمل ضحكة ولكن لا يعلم الناس ما الذي وراء الضحكة، وذلك الوابل من الهموم فوق رأسي‘‘. ولكن، يستدرك الفنان، ’’ليس من حقي أن أكّدر الناس وأقلّب عليهم المواجع، إن هدفي التفريج عنهم وخلق فضاءات الفرح بالنغمة والأغنية. لذلك تجدين أغنيتي نجمة حفلات الأعراس ومناسبات الفرح. ناهيك عن ذلك أن خلق السعادة في قلوب الآخرين يساهم في انشغالي عما يوجعني ويُكدرني‘‘.
أنا أحب المسارح، أعشق التفاعل المباشر مع الجمهور لذلك أنا مقصّر في انتاج الألبومات…إنني أفعل ما أحبه فحسب…خالد يسمع خالد ويفرح ويتفاعل مع أغنياته، إن الأغنية هي علّة وجودي.
نقلا عن خالد
’’لئن شكرتم لأزيدنكم‘‘
’’إن الله في قلبي، يقول خالد، وهو يجرب طاقة صبري وقوة احتمالي وكلما صبرت وشكرت كلما نلت من نعمه ومواهبه‘‘. ’’إنها شهادة حياتي، على حد تعبيره، وما وصلت إليه هو بفضل ربي الذي يجازي القلوب الطيبة خيرا. كان حلمي بسيطا في سن الطفولة وهو أن يصورني التلفزيون المحلي في وهران وأصبح مشهورا بين بني أمي، ولكن كرم الله كان كبيرا معي وبدل شاشة وهران أصبحت أغنيتي على شاشات العالم وتخطت شهرتي أسوار حي سيدي الهواري إلى أسوار الكون بأسره. يتفاعل جمهوري مع لغة الموسيقى العالمية حيث يصله الإحساس الذي أحمله في صوتي من دون حتى أن يفهم كلمات الأغنية‘‘.
تتيه مني رائحة وهران وأنا بعيد عنها، كحضن الأم أحتاجها وأشتاق إلى معانقة عبقها وعطرها وطيبها وشذاها…هم يقولون لا أغلى من سماء الوطن الأم ولا أغلى من ترابه وشمسه وبحره ولكن بالنسبة لي أكثر ما أفتقده هو أن أشتم رائحة وهران.
نقلا عن خالد، فنان جزائري
هل يكّرس خالد العصر الرقمي على حساب موسيقى الراي؟
في بداية مشواره في منتصف السبعينيات من القرن الماضي، حملت اسطوانات الـ ’’غراموفون‘‘ موسيقى راي كلاسيكية بصوت شاب بموهبة واعدة، واصل غناء كلاسيكيات الراي الشهيرة في الحفلات والجلسات المنزلية. تأثر خالد فيما بعد في الثمانينيات بالتغيرات التي طرأت على الموسيقى والتي شجعت إضافة الآلات الغربية مثل الغيتار والكيبورد وتقنيات الاستديوهات الحديثة. هذا ويُتوّج الشاب خالد عشية الالفية الثانية من فرنسا هذه المرة، حيث انتقل للعيش فيها عام 1987، ملكا لموسيقى الراي المعاصرة.
في سؤال عن الخيبة التي قد يكون أصيب بها جمهوره القديم خصوصا أنه ’’مضى قدما في التخلى عن الراي لمصلحة الموسيقى الالكترونية‘‘ في ألبومه الأخير الصادر صيف 2022، يجيب خالد: ’’كان لي منذ البداية رؤية واضحة، ملخصها التطوير وإعادة تقديم “الراي” بالروح العصرية، في التوزيعات وحتى في الوسائط‘‘.
ولكن النقلة كان فيها الكثير من التغيير والتحديث في الألبوم الأخير الذي حمل اسم ’’خالد‘‘ وأعيد فيه تقديم أغنيات قديمة بينها باكورة أغانيه ’’طريق الليسيه‘‘ (الثانوية) بتوزيعات الكترونية عبر الاستعانة بموزعين ومنتجين معاصرين. أغنيات الألبوم العشر صيغت في موسيقى رقمية بدلا من الأوركسترا التي كانت تصاحب الفنان الجزائري في السابق
[’’طريق الليسيه‘‘ (Trigue Lycee) عنوان الألبوم الثامن والأخير لخالد وعنوان الأغنية التي شكلت تميمة نجاحه الأسطوري، نسمعها بتوزيع معاصر مع الريمكسر والدي دجي الفرنسي سنيك (Dj Snake)]
الجيل تغيّر وإذا أردنا استمرارية التراث فعلينا أن نلبسه ثوبا جديدا لئلا يُدفن ويندثر…أنا بما فعلت أحافظ على إرث موسيقى الراي وأضمن توارثه لأجيال عديدة قادمة…ألا نشتري الهواتف الذكية وكل ما هو حديث لأولادنا لكي يواكبوا عصرهم؟ هذا ما أنا سأمضي في تحقيقه وإنجازه لتصل موسيقى الراي العصرية أكثر فأكثر ويعتنقها الشباب كما اعتنقها شيوخها في بلدي الأم.
نقلا عن خالد، ’’ملك موسيقى الراي‘‘
’’السياسة سيئة جداً‘‘
يتذكر خالد أن الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات كان قد دعاه إلى المشاركة في تنظيم حفل غنائي ضخم يتوجه إلى جمهور عربي وإسرائيلي في آن معا ولكنه أُجهض قبل أن يرى النور، ’’مع أنني كنت متحمسا جدا لهذا المشروع وأعقد عليه الآمال الكبيرة لثقتي بأنه إذا كانت السياسة سيئة جدا فإن الفن جميل جدا‘‘.
’’أنا لا أحب أن امتهن السياسية، يردف خالد، جلّ غاياتي أن أفرّح الناس وأبكي لحزنهم وأتعاطف معهم، أما السياسة فهي ’’خايبة‘‘ (سيئة جداً) ولا تمس إلى الإنسانية بشيء‘‘.
أما عن قتل المدنيين في المواجهات الدائرة حاليا بين حماس وإسرائيل فيقول خالد ’’لقد نهى النَّبِيُّ فِي الحُرُوبِ عَنْ قَتْلِ النَّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ وَغَيْرِهِمْ مِنَ الأَبْرِيَاءِ…حتى أنه قال: لا تقطع شجرة‘‘.
كل ما يمكنني قوله’’هداهم الله في سبيل أن يجدوا حلا ولا أملك غير تقديم واجب التعاطف مع ذوي الضحايا من المدنيين ومشاركتهم مصابهم الأليم متضرعا إلى الله أن يعمّ السلم ويربى أطفال الأرض قاطبة بالعزة والكرامة‘‘.
(سأل المؤلف والملحن الفرنسي الشهير جان جاك غولدمان الذي كتب أيضا روائع غنائية للنجمة الكندية العالمية سيلين ديون، سأل خالد عما يريد أن يكتب له فأجابه ’’الحب‘‘ فكانت هذه الأغنية التي وضع خالد بنفسه كلماتها بالعربية وصدر منها عدة نسخ وحققت نجاحا أسطوريا ولا زالت رائجة إلى اليوم بعد صدورها في ألبوم ’’صحراء‘‘ عام 1996)