تؤكد أحدث الأرقام الصادرة عن هيئة الإحصاء الكندية أن كندا عانت من انخفاض آخر في نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي في الربع الرابع من عام 2023: وهو الانخفاض الخامس في الأرباع الستة الماضية، وهو أسوأ انخفاض مستدام منذ أكثر من 30 عاما، والآن أصبح نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي، بعد تعديله وفقا للتضخم، أقل مما كان عليه في الربع الرابع من عام 2014، قبل تسع سنوات.
وركزت أغلب التقارير الإخبارية على حقيقة مفادها أن الناتج المحلي الإجمالي ذاته (أي إجمالي الناتج، وليس نصيب الفرد) لم ينخفض فعليا، ولكنه حقق مكاسب بنسبة 0.2%، بعد الانخفاض الطفيف في الربع الثالث ــ وهذا يعني أن كندا “أفلتت من الركود”.
ولكن هذه ليست مشكلة قصيرة المدى، فلقد كان انخفاض المكاسب مستمرا منذ عقود، ففي الخمسينيات والستينيات من القرن العشرين، نما الاقتصاد الكندي بمعدل يزيد على 5 في المئة سنويا، بعد التضخم، وبحلول السبعينيات تباطأت هذه النسبة إلى ما يقرب من 4 في المئة، وإلى 3 في المئة في الثمانينات، وإلى 2.4 في المئة في التسعينيات، وإلى 2 في المئة في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، وعلى مدى السنوات العشر الماضية، بلغ متوسطه 1.7 في المئة فقط، وفي العام الماضي كان 1.1 في المئة.
والأمر الأكثر أهمية هو أن الاقتصاد ينمو الآن بشكل أبطأ من نمو السكان، ولهذا السبب ينخفض نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي الآن، علما أن نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي هو الذي يهم حقا، فيما يتعلق بمستويات المعيشة.
وفي أواخر عام 1981، احتلت كندا المرتبة السادسة بين دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية من حيث نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي، خلف سويسرا ولوكسمبورغ والنرويج والولايات المتحدة والدنمارك فقط.
ولكن لم يعد الأمر كذلك، فاعتبارا من عام 2022، كانت البلاد في المركز الخامس عشر، وعلى مدار الأربعين عاما الماضية، نما نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي في كندا بشكل أبطأ من نظيره في 22 عضوا آخر في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، فالبلدان التي كانت أفقر من كندا ـ إيرلندا، وهولندا، والنمسا، والسويد، وأيسلندا، وأستراليا، وألمانيا، وبلجيكا، وفنلندا ـ أصبحت الآن أكثر ثراء.
وعلى مدى الأربعين سنة القادمة فإنه من المتوقع أن يكون لدى كندا أبطأ نمو في نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي بين دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية حتى عام 2060، وهذا يعني أن كندا لم تعد من أغنى الدول على وجه الأرض، ومن بين البلدان الأكثر ثراء، بل هي في طريقها إلى أن تصبح من أفقر البلدان.
فاعتبارا من عام 1981، كان نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي في كندا يعادل 92% من نظيره في الولايات المتحدة؛ وبحلول عام 2022، انخفض إلى 73 في المئة فقط.
ويعمل الكنديون ساعات أكثر، في المتوسط، من الأشخاص في البلدان الأخرى، وبقياس الناتج لكل ساعة عمل – وهو ما يعني إنتاجية العمل – احتلت كندا المرتبة 18 في عام 2022، بعد أن سجلت أبطأ معدل لنمو الإنتاجية في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية منذ عام 1981، باستثناء سويسرا، وبالنظر إلى الأداء في عام 2023، فمن غير المفاجئ أن تخرج البلاد من قائمة العشرين الأوائل.
ومرة أخرى، كان التناقض مع الولايات المتحدة مذهلا: فحتى عام 2000 تقريبا، كانت إنتاجية العمل في البلدين تنمو بمعدلات مماثلة تقريبا، ومنذ ذلك الحين، زادت الإنتاجية في الولايات المتحدة بمعدل أسرع بثلاث مرات تقريبا.
وبالإضافة إلى ذلك، فإنه وبحلول عام 2040، سيكون ما يقرب من 25 في المئة من السكان فوق سن 65 عاما، مقارنة بـ 19 في المئة اليوم، وقارن ذلك بأوائل السبعينيات، عندما كان الأشخاص الذين تزيد أعمارهم عن 65 عاما يشكلون 8 في المئة فقط من السكان، وضمن هذا المجموع فإن النسب التي تزيد أعمارهم عن 75 و85 و95 وما فوق ستتجاوز الأرقام القياسية السابقة بهوامش أوسع.
فعلى سبيل المثال: في عام 1971، كانت نسبة السكان الذين تزيد أعمارهم عن 85 عاما تبلغ حوالي 0.6 في المئة. أما اليوم فهي 2.3 في المئة، وبعد عشرين عاما من الآن، ستكون قد تضاعفت مرة أخرى إلى ما بين 4.5 في المئة و5 في المئة.
وهذا له نتيجتان واضحتان: الأولى هي التكلفة، وخاصة تكلفة الرعاية الصحية، وتكلفة معاشات التقاعد، واستحقاقات كبار السن، وما إلى ذلك.
والنتيجة الثانية: عدد أقل نسبيا من الأشخاص في سن العمل.
والسبيل الوحيد للخروج هو النمو الأسرع، وليس من الضروري أن يكون الأمر أسرع بكثير، طالما أنه مستدام.