عندما وصل البابا فرنسيس إلى البحرين، وجه رسائل “سلام” إلى البشرية “مستلهما” في خطابه، من شجرة بحرينية يعود أصلها لقرون من الزمن.
بابا الفاتيكان الذي يزور الدولة الخليجية الصغيرة للمرة الأولى، استعرض في خطابه الأول، الخميس، اسم “شجرة الحياة” 6 مرات خلال الكلمة.
وقال البابا فرنسيس: “أشير إلى ما يسمى بـ (شجرة الحياة)، التي استلهمها لأشارككم بعض الأفكار. إنها شجرة الأكاسيا الرائعة التي بقيت على قيد الحياة منذ قرون في منطقة صحراوية، حيث تنذر الأمطار، وحيث يبدو أنه المستحيل أن تقاوم هذه الشجرة المعمرة وتزدهر في مثل هذه الظروف”، بحسب الكلمة التي نشرتها وكالة أنباء البحرين (بنا).
وبعد زيارة استغرقت 4 أيام شهدت أيضا إقامة قداس حاشد في استاد البحرين الوطني، غادر بابا الفاتيكان البحرين، ظهر الأحد.
ما هي “شجرة الحياة”؟
على بعد قرابة 40 كيلومترا جنوب العاصمة المنامة، توجد شجرة حيرت العلماء؛ نظرا لبقائها على قيد الحياة منذ أكثر من 400 سنة بمنطقة قاحلة لا يتجاوز معدل سقوط الأمطار فيها 150 ملم سنويا.
ولا يوجد أي مصدر للماء لري هذه الشجرة التي باتت توصف بأنها “إحدى عجائب الطبيعة في البحرين”.
وأطلق على الشجرة التي تظهر بمفردها تماما وسط صحراء البحرين الحارة الجافة اسم “شجرة الحياة” لما يعتقده البعض من قدرتها الخارقة على البقاء في مثل هذا المناخ القاحل القاسي.
وقال البابا في كلمته: “وفقا للكثيرين، يكمن السر في الجذور التي تمتد عشرات الأمتار في باطن الأرض، وترتوي من مستودعات مياه جوفية”.
وأصبحت هذه الشجرة المعمرة واحدة من نقاط الجذب السياحي في البحرين، الدولة الخليجية البالغ تعداد سكانها 1.4 مليون نسمة.
وبحسب موقع “لونلي بلانيت“، زرعت الشجرة في حوالى عام 1583 ميلادية.
وأجريت دراسات مطولة على هذه الشجرة العجيبة دون أن تفسير حاسم لسبب بقائها على قيد الحياة منذ قرون مضت دون أن تحصل على مصادر للري.
في تقرير لوكالة رويترز عن شجرة الحياة عام 2008، قال الأستاذ المتخصص في علم النباتات والزراعة بالماء، غازي الكركي، إن هناك تفسيرا علميا لبقاء الشجرة حية هذا الوقت الطويل.
وقال آنذاك إن أحد التفسيرات البسيطة هو ان الأشجار يمكنها أن تطور آلية تعتمد فيها على الفطريات في جذورها تكون بمثابة اسفنج يمتص المياه من عمق الأرض مما يسمح للشجر بالبقاء في الظروف القاسية.
وأضاف الكركي: “بعد التفحص وضعنا يدنا على أو ربما اعتقدنا بأن السر هو موجود في تربة هذه الشجرة. حيث إننا أخذنا عينات من تربة الشجرة وجذور بعض النباتات القريبة جدا من الشجرة والتي كانت جافة تربتها تماما”.
وتابع: “هذا أثبت لنا أن هذه النباتات تتعايش أيضا خصوصا أن فطر الجذور الموجود في تربة هذه الشجرة يعمل شبكة خيوط هائلة جدا تمتد بأعماق عميقة ومتسعة أفقيا وايضا عموديا. وقد تمتد من الجذور حوالي مترا وأكثر. وهذه الخيوط تساعد على امتصاص المياه والعناصر الغذائية من اعماق بعيدة”.
وللشجرة جدع رئيسي وغصون عدة بعضها مائلة، وهي تأتي بارتفاع يبلغ 9.75 أمتار. كما أنشأت السلطات البحرينية بجانبها مركزا للزوار يحوي معلومات عن هذه الشجرة التي أصبحت معلما سياحيا يزورها قرابة 50 ألف شخص سنويا.
ومنذ أكتوبر 2010، اكتشف علماء الآثار الفخار والتحف الأخرى بالقرب من الشجرة، والتي قد يعود بعضها إلى حضارة دلمون القديمة في البحرين، حسبما ذكر موقع “كاريزماتيك بلانيت“.
ووصف الكركي الشجرة بأنها “إحدى عجائب البحرين الطبيعية” مطالبا بالمحافظة عليها وإبقائها على قيد الحياة.
ماذا قال البابا عنها؟
في كلمته، أشار البابا فرنسيس إلى أن “شجرة الحياة” التي تعيش في الصحاري القاحلة تدل تعطي دلالة على إمكانية “العيش البشري معا”.
وقال: “لنوزع ماء الأخوة: لا ندع إمكانية اللقاء بين الحضارات والأديان والثقافات تتبخر، ولا نسمح أن تجف جذور البشرية، لنعمل معا ولنعمل من أجل الكل معا، ومن أجل الأمل أنا هنا في أرض شجرة الحياة، زارع سلام لأعيش أيام اللقاء ولأشارك في منتدى الحوار بين الشرق والغرب من أجل عيش الناس معا في سلام”.
كما أشار البابا فرنسيس إلى الوافدين الأجانب في البحرين الذين “يعملون بشكل واضج لتنمية بلد يشعرون فيه أنه بيتهم”.
واصفا الشجرة العجيبة، قال البابا: “فروع عديدة بأحجام مختلفة وتميزها أنها أدت مع مرور الوقت إلى ظهور تشابك أوراق سميكة، مما زاد ارتفاعها واتساعها. في هذا البلد كانت مساهمة أشخاص كثيرين من شعوب مختلفة هي التي سمحت بتنمية إنتاجية ملحوظة. كان هذا ممكنا بفضل الوافدين إلى البلد وتفتخر مملكة البحرين فيها بأحد أعلى المعدلات في العالم” حوالي نصف السكان المقيمين هم من الأغراب”.
كما استغل بابا الفاتيكان هذه الشجرة للحديث عن قضايا المناخ ومؤتمر كوب27 الذي يفتتح في مصر، الأحد، بالإضافة إلى الحروب.
وقال: “لا تزال شجرة الحياة التي تقف وحيدة في مشهد الصحراء، تذكرني بمجالين حاسمين للجميع، ويخاطبان خصوصا الذين يحكمون ويتحملون مسؤولية خدمة الخير العام. في المكان الأول، قضية البيئة: كم شجرة قطعت، وكم من النظم البيئية التي دمرت، وكم من بحار تلوثت بجشع الإنسان الذي لا يشبع، والذي يؤدي بدوره إلى نتائج عكسية
وشدد على أهمية أن يتم اتخاذ قرارات “من أجل الأجيال الشابة قبل فوات الأوان وقبل أن يتعرض مستقبلهم للخطر”. وتابع: “مؤتمر الأمم المتحدة للتغير المناخي (COP27) ليكن خطوة إلى الأمام في هذا الاتجاه”.
ومضى قائلا: “في المكان الثاني شجرة الحياة، بجذورها التي تنقل المياه الحيوية من باطن الأرض إلى الجذع، ومن الجذع إلى الأغصان، وبالتالي إلى الأوراق، التي تعطي الأكسجين للخليقة، تجعلني أفكر في دعوة الإنسان، في كل إنسان على الأرض: بأن يجعل الحياة تزدهر. لكننا نشهد اليوم، وكل يوم المزيد من الأفعال والتهديدات بالقتل”.
وأوضح أنه “على وجه الخصوص، أفكر في واقع الحرب الوحشي الذي لا معنى له، والذي يزرع في كل مكان الدمار … يظهر أسوأ جوانب الإنسان: الأنانية والعنف والأكاذيب”.
الحرة – دبي