كانت طبيبة النساء الإيزيدية، نغم نوزات حسن، (45 عاما) تداوي المرضى في مستشفى شيخان بمحافظة نينوى قبل سيطرة تنظيم “داعش” على سنجار والموصل.
لكن بعد سيطرة التنظيم المتشدد على مناطق عدة في العراق في عام 2014 وارتكابهم أبشع الجرائم، تغير مسار الطبيبة.
واليوم تفوز بجائزة “نانسن” الإقليمية عن الشرق الأوسط وشمال أفريقيا “تقديرا لخدماتها الفائقة والتزامها الذي أبدته تجاه مجتمعها الإيزيدي وكذلك جموع النازحين في العراق”، وفق المفوضية السامية لشؤون اللاجئين التي تمنح الجائزة.
عاشت الطبيبة “الأيام المظلمة”، من عام 2014، كما قال عنها وزير الخارجية الأميركي السابق، جون كيري، عندما اجتاح إرهابيو “داعش” شمال العراق وأسروا النساء والأطفال الإيزيديين.
خلال تلك الفترة وبعد تحرير المناطق، عملت طبيبة النساء والناشطة على تخفيف الآلام الجسدية والنفسية لمئات النساء الإيزيديات.
وتقول المفوضية السامية لشؤون اللاجئين إن الدكتورة، المولودة في مدينة بعشيقة في شمال العراق، تدربت في الموصل، وبدأت مهنتها في مجال الطب بحلم معالجة النساء غير القادرات على الإنجاب، ولكن بعد عام 2014، اتخذت مسيرتها المهنية مسارا مختلفا.
تقول الدكتورة نغم: “رأيت الكارثة التي حلت بالنساء الإيزيديات. الطريقة التي تعرضن بها للإساءة اللفظية والاغتصاب”.
وعندما أخذ الجميع يلوذ بالفرار، اختارت أن تتصرف متوجهة نحو المخيمات لعلاج الناجيات.
وكانت الأسيرات السابقات بحاجة إلى علاج من الأمراض والإصابات الناجمة عن التعذيب والانتهاكات الجنسية، فضلا عن ظروفهن المعيشية السيئة.
وبعد فترة وجيزة، أنشأت الطبيبة نغم منظمة غير حكومية تدعى “صناع الأمل للمرأة”، وذلك لمعالجة الناجيات وكان هذا أثناء عملها مديرة لمستشفى شيخان العام.
وعالجت الدكتورة نغم حتى الآن نحو 1200 ناجية، وفق مفوضية اللاجئين.
وتقديرا لجهودها، نالت الدكتورة جائزة ” المرأة الشجاعة” لوزارة الخارجية الأميركية، عام 2016.
وحظيت المستشارة الألمانية السابقة، أنغيلا ميركل، جائزة “نانسن” الأساسية، وكانت الطبيبة العراقية بين 4 فائزين بالجوائز الإقليمية، وهي جائزة سنوية مرموقة تكرم أولئك الذين “قطعوا أشواطا استثنائية لمساعدة النازحين قسرا أو الأشخاص عديمي الجنسية”، وفق مفوضية اللاجئين التي نشرت تقريرا خاصا عنها.
وتقول المفوضية: “يكون الشفاء ونسيان الماضي صعبا، لكنها (الطبيبة) منارة أمل للنساء اللائي عشن جحيم استعباد “داعش”.
وفي مخيم روانغا للنازحين الواقع في إقليم كردستان، ترتدي الدكتورة نغم معطفا أبيض اللون وتطمئن كل مريضة على حدة. تقترب أكثر، ممسكة بيد إحداهن، ثم تستدير قليلا لتتفحص نبض امرأة أخرى بنظرة يغلب عليها التركيز الشديد، وفق تقرير المفوضية.
بعد ثماني سنوات من إرغام هؤلاء النساء على الوقوع في العبودية، ينتابهن الآن إحساس نادر بالأمل ينعمن به خلال زيارة الطبيبة.
في شهر أغسطس 2014، استولى مقاتلو “داعش” على بلدة سنجار الواقعة في شمال غرب العراق، وأعدموا الآلاف من الرجال والنساء والأطفال الإيزيديين، واختطفوا أكثر من 6000 إيزيدي، معرضين النساء والفتيات لأبشع الفظائع، لاسيما الانتهاكات الجنسية والاستعباد.
وقد تم تحرير سنجار بعد عام من ذلك التاريخ، لكن ما زال هناك حوالي 3000 من الإيزيديين في عداد المفقودين، وأكثر من 200 ألف من النازحين داخليا.
وفي عام 2016، قال الوزير السابق كيري في حديثه عن الدكتورة العراقية لدى تسلمها “جائزة الشجاعة” إنها “لم تكن متهيئة، على أية حال، للأيام المظلمة من عام 2014 حيث تم إعدام وقتل النساء المسنات بالجملة ورميهن في مقبرة جماعية”.
لكن عندما تم كشف النقاب عن هذه الأعمال، كانت نغم من بين الأوائل الذين استجابوا لهذا الأمر.
وقدمت الدكتورة الدعم النفسي والمعاينة الطبية للفتيات اللواتي هربن، وزارت مخيمات للنازحين حيث كانت في كثير الأحيان تقوم بإقناع الآباء والأمهات المرتعبين كي يسمحوا لبناتهم بتلقي المشورة والعلاج، وفق كيري.
وأطلقت حملة ضد الاعتداء الجنسي تسمى “أنا إيزيدية – أنا ضد التحرش”.
وفي الوقت الحاضر، تقوم الدكتورة حسن بزيارات منتظمة إلى مخيمات النازحين داخليا، والتي تقطنها أغلبية إيزيدية للقيام بالتوعية وتشجيع الآباء والأمهات على السماح لبناتهم بزيارة عيادتها للحصول على الرعاية الصحية الأساسية والدعم النفسي والاجتماعي.
الدكتورة أعربت عن سعادتها لحصولها على جائزة “المرأة الشجاعة”، وقالت في تصريحات سابقة لـ “راديو سوا” إنها تهدي الجائزة لكل امرأة مظلومة في العالم وخاصة الناجيات الإيزيديات والمختطفات والمقاتلات في جبل سنجار وكل امرأة عراقية نازحة.
وفي مخيم روانغا، تقول نرجيز، البالغة من العمر 42 عاما، والتي تعرضت للأسر في عام 2014: “شكرا لك أيتها الطبيبة على كل ما فعلتيه من أجلنا. كنت أول من جاء ليبعث الراحة في أنفسنا وينصحنا ويأخذ بأيدينا”.
وتشير نرجيز إلى مجموعة النساء من حولها قائلة: “كنا جميعا من الأسرى، وقضت كل واحدة منا أكثر من أربع سنوات في أيدي داعش”.
والتفتت الدكتورة نغم إلى نرجيز وخاطبتها بلطف وهي تلف جهاز قياس ضغط الدم حول الجزء العلوي من ذراعها، ثم تشده وتنتظر قائلة: “أنا هنا دائما لأساعدك. وإن لم أتمكن من مساعدتك فذلك لأنه أمر خارج سيطرتي. هدفي هو أن أخرجك من الصدمة التي مررت بها”.
وتضم منظمتها الآن 50 موظفا وعيادتين في سنجار تقدمان المشورة والطب النفسي وسبل الوصول إلى الناجيات داخل المجتمع ممن يعدن إلى ديارهن، حتى أن بعض من كانت تعالجهن أصبحن من المدافعات عن السلام وحقوق الإنسان بدافع من أنفسهن، وهو ما تصفه الدكتورة نغم بأنه مصدر فخر وسعادة كبيرين.
ومع ذلك، فإن الدكتورة نغم تعجز بعض الأحيان عن التعبير في محاولة منها لمواساة مرضاها، خاصة عند علاج فتيات لا تتجاوز أعمارهن ثماني سنوات: “لقد تأثرت جدا بذلك، وتعرضت إنسانيتي للصدمة، إذ كيف يمكنك مواساة طفلة صغيرة جداً اغتصبها رجل يبلغ من العمر 60 عاما عدة مرات؟”.
وعلى الرغم من أنها حظيت بفرصة مغادرة العراق، إلا أن الدكتورة قررت البقاء “بشكل قاطع”، قائلة: “أنا باقية هنا لفترة طويلة. لدي رسالة ولدي قضية. أعتقد أن (الناجيات) لا يزلن بحاجة للمساعدة”.