احتضنت العاصمة القطرية الدوحة الشهر الماضي ملتقى دوليّاً حول ’’الترجمة وإشكالات المثاقفة‘‘ من تنظيم منتدى العلاقات العربية والدولية دام يومين من 11 إلى 12 ديسمبر/كانون الأول.
وفي اليوم الثاني من الدورة العاشرة لهذا الملتقى، برمج المنظمون محاضرة حول ’’الترجمة والتحديات الثقافية في تدريس اللغة العربية للناطقين بغيرها في الجامعات الكندية.‘‘
وألقت هذه المحاضرة عقيلة صخري، أستاذة اللغة والثقافة العربية في جامعة كيبيك في مونتريال (UQAM).
وفي حوار مع راديو كندا الدولي أوضحت الأستاذة عقيلة صخري أنّ ’’ التّحديّ الأكبر الّذي يواجهنا كأساتذة وكقائمين على تصميم المناهج يكمن في أيّ المكوّنات الثّقافيّة أقدر على الاستجابة عمليّا لحاجات التّواصل الاجتماعيّ والثّقافيّ لدى الطّالب [الناطق بغير اللغة العربية] خارج قاعات الدّرس؟‘‘
وفي مداخلتها، قالت ’’ إنّ الخلفيّة الثّقافيّة جزء لا يتجزأ من عمليّة التّواصل بين الأفراد، ومن ثمّ فهي تشكّل محتوى أساسيّا في العمليّة التّعليميّة للّغات الأجنبيّة وليست تكملة للمحتوى اللّغويّ كما يتوهم البعض.
فإذا كانت اللّغة هي الهدف فالثّقافة آليّة ناجعة من آليّات تحقيق الهدف منذ المراحل الأولى من التّعليم. وإن كانت الثّقافة هي الهدف فاللّغة دعامة أساسيّة لها.‘‘
اللّغات أرشيف حيّ للثّقافة الإنسانيّة على حدّ تعبير الباحث في اللّسانيّات والأنثروبولوجيا إدوار سبير. والثّقافة نصّ واللّغة مفتاح فهمه، حسب الباحثة في المجال نفسه لورا بوحنان.
نقلا عن عقيلة صخري، أستاذة اللغة والثقافة العربية في جامعة كيبيك في مونتريال (UQAM)
وذكرت الأستاذة عقيلة صخري بعض التحديات التي تواجهها في جامعات كندا.
’’كندا دولة بعيدة جغرافيّا عن العالم العربيّ، فثقافة هذا الأخير غريبة عن الطّالب الكنديّ عكس الطّالب في الجامعات الأوربيّة مثلا، ممّا يضع على عاتقنا مسؤوليّة تقديم هذه الثّقافة في شتّى مناحيها بطريقة سلسة مناسبة تفاديا لكلّ تداخل ثقافيّ‘‘، كما قالت عقيلة صخري.
وبالنسبة لها، بما أنّ الصفوف التي تدرّسها تجمع بين طلاب من أصول عربية متنوعة تريد تعلّم لغتها الأم وطلاب من أصول غير عربية أجانب عن اللغة وعن الثقافة، ’’يُفترض في الأستاذ بحنكته وبمهاراته البيداغوجيّة التّنويع في المكوّنات الثّقافيّة تنوّع ثقافة العالم العربيّ بدلا من التّركيز على إقليم جغرافيّ واحد.‘‘
وهذا أمر إيجابي وفقاً لها، لأنه يخلق ’’جوّاً من التّبادل الثّقافي بين الطّلبة الّذين هم من أصول عربيّة، فالمصريّ مثلا يكتشف ثقافة المغربيّ، والجزائريّ يكتشف ثقافة اللّبنانيّ، ثمّ إنّ هذا التّنوع بدوره يجعل الطّالب الّذي هو من أصول غير عربيّة يرى بأمّ عينه أنّه بصدد تعلّم لغة تحمل موروثا ثقافيّا غنيّا ومتنوّعا تنوّع العالم العربيّ في رقعته الجغرافيّة.‘‘
وتحبّذ عقيلة صخري ’’ التدرّج في إعطاء الجرعات الثقافية. مثله مثل التّدرّج في مستويات اللّغة مع ضرورة مراعاة ثقافة المتلقي‘‘، كما تقول.
وأعطت مثالا على قصة حاتم الطائي الذي يعدّ رمز الجود والكرم في الثقافة العربية. وهو معروف بالقصّة الشّهيرة الّتي نحر فيها فرسه المفضّل ليكرم ضيفه رسول القيصر.
’’قصة قد يستسيغها الطالب العربيّ الّذي يصدر عن مرجعيّة ثقافيّة عربيّة في حين ـ وقد لمست ذلك شخصيّا في صفوفي ـ هي صادمة للطّالب الأجنبيّ. كيف لنا أن نضحيّ بحيوان عزيز رافقنا طويلا لطهي طعام لشخص غريب لا نعرفه‘‘، كما توضح عقيلة صخري.
وتقترح هذه الأخيرة ’’تعزيز هذا المكوّن الثّقافيّ بقصّة كعب بن مامة الإيادي الّذي كان قد سافر في قيظ شديد مع رجل من بني النّمر ومعهما السّاقي فكان كلّما جاء دور كعب في الشّرب نظر إليه النّمريّ طالبا المزيد من الماء فيقول كعب للسّاقي اسق أخاك النّمريّ ففعل ذلك مرارا حتّى نفد الماء ومات كعب عطشا.‘‘
ووفقاً لها، بهذه القصة ’’ قد قدّمنا للطّالب مثلا عاليا في الجود والكرم الّذي وصل إلى مرتبة الايثار بالنّفس لنجدة وإغاثة ملهوف. ثمّ إنّ العبارة (اسق أخاك النّمريّ) يستدلّ بها لذمّ الانسان الّذي يكثر من طلب الشّيء نفسه ولوكان ذلك على حساب الآخرين.‘‘
وفي تدريسها للغة العربية، تثمّن عقيلة صخري المناهج التي تجعل ’’الطالب الأجنبي يرى ثقافته الأصلية في اللّغة الهدف.‘‘
وتقول إنها، على سبيل المثال، عندما تدرّس فصول السنة ومميزاتها المناخية، تُدرج عبارات مستوحاة من ثقافة الطالب الكندي ’’الذي وُلد وترعرع في مناخ مثلج بارد. حتى بات فصل الشتاء رمزا من رموز ثقافة هذا البلد عن طريق العبارة الشائعة في مقاطعة كيبيك : الشتاء بلدي (Mon pays c’est l’hiver).‘‘
وأكّدت عقيلة صخري على ’’ضرورة استخدام ألفاظ ارتبطت بمعاني العنف والإرهاب في ذهنية الطالب الأجنبي عن طريق وسائل الإعلام ككلمة جهاد، قاعدة، طالبان وغيرها.‘‘
وبالنسبة لها، يمكن للأستاذ استخدامها للتواصل. مثل ’’اسمي جهاد، القاعدة اللّغوية، أو قاعدة اللعبة، حضر الطالبان، حتى أفرغها من شحنتها المخيفة ومما علق بها من محتوى سلبي طالما أساء إليها تمهيداً لمناقشة موضوع الإسلاموفوبيا مثلا في مستويات متقدمة‘‘.