أعلن الفاتيكان في بيان أصدره اليوم رفض ’’عقيدة الاكتشاف‘‘، بعد مرور أكثر من 500 عام على تبنيها من قبل الكنيسة الكاثوليكية. ورفضه هذه العقيدة هو مطلب لطالما تقدّم به السكان الأصليون في كندا وسائر القارة الأميركية إلى كبرى الكنائس المسيحية.
وكانت هذه العقيدة مدعومة بـ’’مراسيم بابوية‘‘، وهي وثائق بابوية مهمة تم ختمها.
وهذه المراسيم عائدة للقرن الخامس عشر وتستند إلى الافتراض الراسخ بأنّ أراضي ما سيُطلق عليه فيما بعد أميركا، أي مجمل القارة الأميركية، لا تخصّ أحداً. وهذا هو مفهوم ’’الأرض المُباحة‘‘ (terra nullius).
وأتاحت هذه المراسيم الاستيلاء على أراضي السكان الأصليين وثرواتهم من شمال القارة الأميركية إلى جنوبها مبررة ذلك بمبادئ قُدِّمت على أنها دينية.
واليوم أفادت وكالة أنباء الفاتيكان، نقلاً عن دوائر الفاتيكان، أنّ تلك المراسيم البابوية تمّ ’’التلاعب‘‘ بها لأغراض سياسية من قبل القوى الاستعمارية ’’لتبرير أفعال غير أخلاقية بحق الشعوب الأصلية، وهي أفعال ارتُكبت أحياناً دون معارضة من سلطات الكنيسة‘‘.
ولا يقتصر بيان الكنيسة الكاثوليكية على الإقرار بالذنب. فمع تشديد الفاتيكان على أنّ بيانه الصادر اليوم ’’مهم‘‘، يصرّ على أنه يرفض ’’الذهنية الاستعمارية‘‘ مع تذكيره بأنّ ’’الباباوات أدانوا أعمال العنف والقمع والظلم الاجتماعي والعبودية، بما فيها تلك المرتكبة ضد الشعوب الأصلية‘‘.
’’وهناك أمثلة كثيرة عن أساقفة وكهنة وشخصيات دينية وعلمانية بذلوا حياتهم في سبيل الدفاع عن كرامة هذه الشعوب (الأصلية)‘‘، يضيف الفاتيكان.
ولم يقم جميع الباباوات المتعاقبون بإدانة الابتزازات التي ارتكبتها الدول المستعمِرة بحق السكان الأصليين، لكن بعض الكهنة في أميركا اللاتينية، ومعظمهم من أتباع لاهوت التحرير، دفعوا بالفعل حياتهم ثمن التزامهم بقضايا الشعوب الأصلية.
ورئيس الكنيسة الكاثوليكية الحالي، البابا فرنسيس، الذي كان رئيساً للرهبان اليسوعيين في وطنه، الأرجنتين، مُطّلع جيداً على حالات الاعتقال والتعذيب والقتل بحقّ كهنة كاثوليكيين في أميركا اللاتينية في سبعينيات وثمانينيات القرن الفائت.
لكنّ البابا الأسبق يوحنا بولس الثاني، الذي ترأس الكنيسة الكاثوليكية بين عاميْ 1978 و2005، طرد العديد من هؤلاء الكهنة ’’الملتزمين‘‘ من الكنيسة.
إعلان طال انتظاره
ويطالب السكان الأصليون على امتداد القارة الأميركية الكنيسةَ الكاثوليكية منذ عقود طويلة بإلغاء عقيدة الاكتشاف.
وهذا كان أيضاً أحد مطالب سكان كندا الأصليين الذين زار وفد كبير منهم حاضرة الفاتيكان قبل سنة واجتمعوا بالبابا فرنسيس.
وعندما جاء البابا إلى كندا لاحقاً، في تموز (يوليو) 2022، في زيارة وصفها هو بأنها ’’حجّ للتكفير عن الذنوب‘‘، كان السكان الأصليون يأملون أيضاً في سماعه يدين هذه العقيدة. وقد عبّر العديد منهم عن ذلك من خلال رسائل على لافتات رفعوها خلال زيارته.
لكنّ البابا فرنسيس أحجم عن ذلك، ما جعل رئيسة جمعية الأمم الأُوَل (APN / AFN)، روز آن أرشيبالد، تعرب عن خيبة أمل عميقة وتقول إنّ زيارة رئيس الكنيسة الكاثوليكية إلى كندا تركت طعم عمل غير مُنجز.
وفي ردود الأفعال على الإعلان الفاتيكاني الصادر اليوم، أعلن مؤتمر الأساقفة الكاثوليك في كندا (CECC / CCCB) في بيان صحفي أنه ’’ممتن‘‘ للكرسي الرسولي لنشر هذا النص.
يُذكر أنه في عام 2016، وعقب صدور تقرير اللجنة الكندية للحقيقة والمصالحة، أعلن مؤتمر الأساقفة الكاثوليك رفضه عقيدة الاكتشاف.
(نقلاً عن موقع راديو كندا، ترجمة وإعداد فادي الهاروني)