ليس بجديد على مدير مهرجان العالم العربي في مونتريال جوزف نحلة أن يصهر الاختلاف ويوّحده، وهذه المرة شاركه في تنفيذ رؤيته المايسترو اللبناني الفذ هاني سبليني، في عرض بعنوان ’’Libertada‘‘ على مسرح ميزونوف في ساحة الفنون العريقة في وسط مونتريال، في إطار نسخة اليوبيل الفضي للمهرجان.
’’التحرّر‘‘ أنشدته ثلاث نساء عربيات عرفن بغنائهن الملتزم، وعلى الرغم من اختلاف ألوانهن الغنائية إلا أن الانسجام بلغ ذروته على المسرح بين أميمة الخليل ولِيْلى بورصالي وروضة عبدلله. اختلاف المشارب سيطر أيضا في التخت الموسيقي الذي جمع موسيقيين كنديين وعرب بالإضافة إلى موسيقيين إيرانيين في أول مرة يقدمون فيها معا عرضا فنيا. وعن فقرة صغيرة غنائية بصوت الفنان الإيراني الجميل حبيب حسيني يقول جوزف نخلة ’’إن الغناء الفارسي لم يكن دخيلا، لأنه يلتقي مع الفكرة العامة للعرض عن التحرّر والنضال‘‘.
أميمة الخليل ’’عصفورة‘‘ حلّقت في فضاءات صعبة المنال
شكلت أميمة الخليل العمود الفقري لعرض ’’التحرّر‘‘ لما يحمله مشوارها من نضال طويل في سبيل قضايا الإنسان وتحرر الشعوب. وقد اختارت أميمة الخليل بنفسها موهبة تعرفت إليها ودعمتها منذ البداية، روضة عبدلله أكملت السبحة في الحضور النسائي البهي تلك الليلة.
هتف الجمهور في الصالة ’’عصفور‘‘ لتدرك أميمة عطشه إلى أغنياتها وماضيها الجميل، هو الذي نشأ على صوتها الناعم الراسخ الشامخ المفعم بالبعدين الإنساني والوطني.
ولم تغن نجمة المهرجان ’’عصفور‘‘ بالنسخة الأصلية هذه المرة، بل قدمتها بحلة جديدة توافق التجاوز الفني الذي تحققه في مشوارها الإفرادي مع زوجها وشريكها الفني الموسيقار هاني سبليني الذي أعاد توزيع الأغنية ببصمته الخاصة.
يذكر أن ’’الصبية‘‘ الطموحة صاحبة الحنجرة الذهبية استطاعت أن تجد مكانتها في فرقة الميادين لمارسيل خليفة مكانها وغنت بإحساس كبير قضايا الإنسان عموما والقضية الفلسطينية خصوصا. وهي لم تحد عن هذا المسار حتى بعد انفصالها عن خليفة في بداية التسعينيات من القرن الماضي. لتحقق منفردة وبأغنيتها الملتزمة والهادفة دائما تميزا وإبداعا. نذكر على سبيل المثال لا الحصر ألبوم ’’مطر‘‘ (2014) وفيه رائعة الشاعر العراقي بدر شاكر السيّاب ’’انشودة المطر’’ التي تغنيها أميمة الخليل بإحساس مفرط يطال فيه أداؤها السحاب.
سمح لنا العرض في أن نقول من نحن كنساء عربيات ملتزمات بقضايا الإنسان عموما والشعب الفلسطيني خصوصا.نقلا عن أميمة الخليل، مغنية لبنانية
تقول الخليل ’’إن الموسيقى هي أداة نعبر من خلالها عن أنفسنا وعن موقفنا من الأمور التي تحصل في هذا العالم، خصوصا على صعيد القيم الإنسانية. الموسيقى هي الحياة والاستمرارية، وحّدث على المسرح في هذا العرض فنانين غير متجانسين على أكثر من صعيد ولكنهم استطاعوا أن يتفاهموا بالموسيقى فحسب‘‘.
أكدت الخليل عن رضاها على العرض ’’وهذه التجربة الرائعة‘‘، وهذا وصل إليها من تفاعل الحضور الكبير وأثنت على الجهد الذي قدمه كل من شارك فيه.
مايسترو من الطراز الأول
تجربة أولى خاضها الموسيقار هاني سبليني في مهرجان العالم العربي، جديدة عليه لناحية تطويع اللحن والنغم ليخدم الكلمة والفكرة بين مجموعة مختلفة وغير متجانسة، حتى المقامات تختلف من بلد إلى أخر. ’’الصعوبة، يقول سبليني، لم تكن على صعيد المادة الموسيقية بذاتها، بل كان الشاغل الأكبر ’’كيف أجمع وأوحد كافة الأشخاص الآتين من مشارب مختلفة، ليفهموا رؤيتي الموسيقية من جهة ورؤية جوزف نخلة الفنية من جهة أخرى‘‘. العرض بالنسبة للموسيقار اللبناني كان مغامرة ولم تكن نتائجه مضمونة في بداية التحضيرات التي استغرقت شهورا طويلة، ذهابا وإيابا لجوزف نخلة إلى بيروت للاجتماع بسبليني ووضع التوجه العام لضمان نجاح العرض ووصول رسالته إلى الجمهور.
اشتمل العرض على أكثر من 26 أغنية من كل التراث العربي والريبرتوار الشرقي، بينها أغنيات جديدة سمعناها لأول مرة.
التحدي كان كبيرا ومما ساعد في نجاح العرض هو تعاون الموسيقيين وقدرتهم على فهم موسيقى الآخر…كان يغمرهم فرح عظيم ويشعرون أنهم يقومون بإنجاز كبير…الجميع انصهر في سرب واحد مطلقين صرخة مدوية في وجه الموت والاحتلال والوقاحة والبشاعة والطغيان والجهل.نقلا عن هاني سبليني، موسيقار وعازف بيانو لبناني
يضيف سبليني ’’الخليط بين الثقافات والجنسيات والمشارب الموسيقية انبثق عنه قالب حلوى لذيذ ومميز. لقد تخلى كل فرد عن أنانيته وذاته لينصهر مع الجماعة في خدمة العنوان العام لعرض مهرجان العالم العربي الفريد والمتميز‘‘.
لِيْلى بورصالي لؤلؤة من تلمسان
إنها المشاركة الثالثة في مهرجان العالم العربي للفنانة الجزائرية التي اشتهرت بأداء الأغنية الملتزمة والوطنية. وغنت في حفل مونتريال الأغنية الثورية من الريبرتوار الجزائري الشعبي ’’ما بقاش في استعمار في بلادنا‘‘ وأغنية ’’جزائر يا حبيبتي‘‘ وغيرها من الأغنيات التي اختيرت للعرض بالمشاركة مع الخليل وعبدلله.
دفعت بلدي الجزائر الثمن باهظا لنيل الاستقلال، مليون ونصف المليون شهيد، ولكن طعم الاستقلال يبقى مريرا دون أن تتحرر فلسطين.نقلا عن لِيْلى بورصالي، مغنية جزائرية
تعتبر ضيفة مهرجان العالم العربي بأن الغناء يقدم رسالة سامية لأنه يملك الأدوات للتعبير عن إرهاصات مجتمعه ’’وفي حالتنا اليوم، فإن أصواتنا تنادي بتحرير فلسطين وتحقيق العدالة والسلام في الأوطان العربية الحبيبة…الليلة قلنا في شكل جماعي كفى للاستعباد والحروب، نادينا بفلسطين حرة وأوصلنا صوتنا إلى الآذان الصماء حتى‘‘، على حد تعبير بورصالي.
العرض أغنى تجربة الفنانة الجزائرية المعروفة باللون الأندلسي والموشحات، وفي رأيها أن رسالة جميع الفنانين المشاركين في العرض كانت واحدة، وبفضل ذلك تحققت اللحمة والتمازج فيما بينهم. ’’الفن ليس له حدود وهو يخلق الصداقة ويجعل الكل واحدا والواحد كلا‘‘، كما قالت الفنانة الجزائرية.
في سماتها تتجلى الحركة النسوية التونسية الرائدة
تفرح الشابة روضة عبدلله عندما يصل إلى جمهورها الشعور بأنها تمثل المرأة التونسية بكل تفاصيلها خير تمثيل، خصوصا لجهة تمردها وطموحها ونضالها.
أثنت عبدلله على الإضافة التي قدمتها لها المشاركة الأولى في مهرجان العالم العربي وعبرت عن امتنانها لاختيار المهرجان لها لتغني على خشبة مسرح واحدة مع أميمة الخليل التي تصدح أغنيتها في كل بيت تونسي. كذلك اعتبرت نفسها محظوظة بالتعرف إلى الصوت الجزائري الملتزم لِيْلى بورصالي.
تجد التونسية الشابة المتمردة بأغنيتها وملامحها أن فضل الأغنية في زمن الحروب والشدائد والمحن يكمن في أنها تؤرخ لعصرها بالإضافة إلى أنها خير تعبير عن صوت الشعب ووجعه وصراخه وأنينه وكل ما يشعر به من خذلان وإنكسار وغبن.
الأغنية أثر يعيش مثلما تعيش الأوطان…أن أغني فلسطين هو أبسط دور لي كمواطنة تونسية أولا وكفنانة ملتزمة ثانيا. إن انتماءنا للقضية الفلسطينية من الفطرة، فالطفل التونسي يتبنى القضية الفلسطينية منذ نعومة أظفاره.نقلا عن روضة عبدلله، مغنية تونسية
وتؤكد المتحدثة بأنه لا يمكن للفنان المرهف أن يقف مكتوف الأيادي أمام الظلم والقهر والإبادة الجماعية التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني.
تؤكد المغنية الشابة أنها تحمل الكثير من صفات المرأة التونسية، هذه الأخيرة، كما تقول روضة عبدلله ’’تحمل مشروعا طموحا وعندها شخصيتها ووزنها وحضورها المتميز منذ الصغر، تعمل على نفسها وقادرة على صناعة الحلم وزرعه في أذهان أطفالها وأفراد أسرتها ومجتمعها برمته. يكفيني فخرا بأنني أنتمي إلى نضال المرأة التونسية‘‘، خلصت إلى القول ضيفة مهرجان العالم العربي روضة عبدلله.