توالت ردود أفعال المواطنين والخصوم السياسيين لفرانسوا لوغو رئيس حكومة كيبيك المنتهية ولايته بعد التصريحات المثيرة للجدل التي أدلى بها في منتصف الأسبوع في إطار الحملة الانتخابية الجارية تحسُّباً لانتخابات 3 أكتوبر تشرين الأول المقبل.
وكان زعيم التحالف من أجل مستقبل كيبيك (كاك – CAQ) يتحدّث مع الصحفيين حول تحديات دمج المهاجرين حيث تتوقع الحكومة الكندية استقبال 450 ألف مهاجر جديد في عام 2023 بعد أن خطّطت لاستقبال 350.000 مهاجر في 2021. (نافذة جديدة)
وقال فرانسوا لوغو إن “الكيبيكيين مسالمون ولا يحبّون النزاعات والمتطرفين والعنف. لذلك علينا أن نتأكد من إبقاء الأمور كما هي حاليّاً.
وأضاف: ’’ لدينا قيم وتحدثنا كثيرًا عن العلمانية في السنوات الأخيرة؛ وكذلك الاحترام من بين قيمنا. هناك أسلوب حياة في كيبيك نريد الاحتفاظ به.‘‘
وقالت مُنى، وهي مواطنة كندية من أصل تونسي : ’’العنف ليس مقصوراً على المهاجرين.‘‘
التقى بها راديو كندا الدولي أمام متجر كبير في الدائرة الانتخابية لسان لوران وفضّلت عدم ذكر اسم عائلتها أو تصويرها.
وطلبت من رئيس الحكومة المنتهية ولايته ’’ترك المهاجرين وشأنهم والتصدي للتمييز الذي يواجهون. كلّنا نشارك في اقتصاد هذا البلد وثرائه. نحن ندفع ضرائبنا. يجب أن يعتبرنا كمواطنين كيبيكيين.‘‘
بالنسبة لفرانسوا لوغو، ’’أصبحت كندا الدولة التي تستقبل أكبر عدد من المهاجرين في العالم إذا نظرنا إلى العتبات التي حدّدها السيد ترودو.‘‘
وأشار إلى أن تحديات إدماج المهاجرين ليست مقصورة على كيبيك إذ ’’تواجه جميع البلدان، بما فيها كندا وفرنسا وألمانيا ، تحديًا يتمثل في إدماج الوافدين الجدد. لكن [في كيبيك] لدينا تحدٍ أكبر، لأننا المكان الوحيد في أمريكا الشمالية الذي يتحدث الفرنسية.‘‘
ويقول كمال لطفي، وهو مواطن آخر مقيم في دائرة سان لوران ، لراديو كندا الدولي ’’بالتأكيد، ألمانيا وفرنسا لديهما مشاكل مع مهاجريهما، لكن في كيبيك، نحن بعيدون جدا عن الوضع في هذين البلدين.‘‘
والسيد لطفي هو مرشح سابق لحزب الكاك في عام 2012. وقد طُرد حينها من حزبه بسبب تصريحات مثيرة للجدل على مواقع التواصل الاجتماعي حول الاستقلاليين في كيبيك.
كان [فرانسوا لوغو] ذكيًّا في قوله إننا في كيبيك مسالمون ولا نحب المشاجرات، لكننا لا نريد استقبال المتطرفين. المهاجرون متطرفون وعنيفون [هكذا]. هذا بالضبط ما يعتقده لوغو في قرارة نفسه. بالإضافة إلى ذلك، فهو لا يعترف بالعنصرية الممنهجة ما يجعلنا نشك في رأيه حول الآخرين.
نقلا عن كمال لطفي
في مقابلة مع راديو كندا الدولي، يرى شادلي بلخوجة، الأستاذ بكلية الشؤون العامة والمجتمعية في جامعة كونكورديا والذي يهتمّ بإدماج المهاجرين وإدارة التعددية في كندا، إن “هذه الصياغة [التي جاءت عليها تصريحات فرانسوا لوغو] خرقاء ويبدو أنّه لم يفكّر قبل الإدلاء بها. وفي الوقت نفسه، تعوّدنا على هذه التصريحات أثناء الحملات الانتخابية. يتم التعامل مع الهجرة دائمًا على أنها شيء يهدّد المجتمع.‘‘
ويشير هذا التونسي-الفرنسي الذي وصل إلى كندا مع والديه وهو طفل، إلى أن مسألة الهجرة ظهرت متأخرة قليلاً عن المعتاد في الحملة الانتخابية الحالية مع الإعلانات المختلفة للأحزاب السياسية حول عتبات الهجرة. وهي عتبات تمليها القدرة الاستيعابية للمقاطعة.
وتعهّد حزب الكاك بالحد من عدد المهاجرين المقبولين سنويًا إلى50.000. ويقترح من جانبه الحزب الكيبيكي (PQ) 35.000. وحدّد الحزب الليبرالي في كيبيك هذه العتبة بـ70.000.
وتشهد مقاطعة كيبيك حاليًا نقصاً في العمالة. وللتعامل مع هذا الوضع، وفقًا لمجلس أرباب العمل في كيبيك (Conseil du patronat du Québec)، يجب زيادة عتبة الاستقبال إلى 80.000 مهاجر سنويًا.
إن العنف وانعدام الأمن الذي قد تسببه الهجرة كما توحيه تصريحات فرانسوا لوغو تُذكّر أستاذ جامعة كونكورديا ’’بما سمعناه كثيرًا في كندا في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين بعد أحداث 11 سبتمبر أيلول. فعلى سبيل المثال، لقد تمّ الربط بين غيتو المهاجرين وتزايد العنف في أحياء معينة في تورنتو من خلال توجيه أصابع الاتهام إلى مجتمعات معينة تنشر ثقافة عنيفة ولا تتناسب مع القيم [الكندية].‘‘
ما يقوله فرانسوا لوغو، في نهاية الأمر، هو أن قدرًا معينًا من الهجرة غير المُتحكَّم بها سيجلب نوعًا من عدم الأمان إلى كيبيك حيث لا نحب المنازعات […] لا نريد أن تغزونا مجتمعات تشكّل خطراً علينا.
نقلا عن شادلي بلخوجة ، الأستاذ في كلية الشؤون العامة و المجتمعية في جامعة كونكورديا
ويذكّر هذا الأخير أنّ رئيس الحكومة المنتهية ولايته كان قد أعلن قبل بدء الحملة الانتخابية أنها ستدور حول الاعتزاز بالهوية الكيبيكية.
وعلاوة على ذلك ، وفقاً لشادلي بلخوجة، يبرّر فرانسوا لوغو رفضه زيادة عتبة الهجرة باستخدام حجة الهوية ’’لإخافة شريحة معينة من المواطنين واستقطاب الجدل حول هذه القضية.‘‘
كما أعرب الأستاذ الجامعي عن أسفه لعدم استناد هذه الحجة إلى أي دراسة أو إحصائيات.
وبالنسبة له، فإن الجدل حول عتبات الهجرة أيديولوجي وليس اقتصاديًا. ’’تتعلق هذه العتبات بالمهاجرين الدائمين لكننا نعلم جيدًا أن مقاطعة كيبيك استقبلت خلال السنوات القليلة الماضية عددًا كبيرًا من العمال المؤقتين. قبل أربع سنوات، تحدث حزب الكاك عن عتبة 40 000 مهاجر لطمأنة المجتمع، قائلاً إننا لن نفتح الأبواب كما تفعل كندا مع 450 000 مهاجر سنويًا. لكن في الوقت نفسه، سمحت حكومة الكاك بدخول عدد كبير إلى حد ما من العمال المؤقتين ذوي الوضع غير المستقر.‘‘
ومن جانبها، اغتنمت الأحزاب السياسية الأخرى الفرصة لمهاجمة رئيس الحكومة المنتهية ولايته.
فعلى سبيل المثال، قالت دومينيك أنغلاد، زعيمة الحزب الليبرالي الكيبيكي، إنها ’’تتّفق تمامًا مع فكرة أن سكان كيبيك مسالمين، وأنهم لا يحبون المنازعات، ولكن ربط ذلك بالهجرة، لا أرى أي صلة بين الاثنين. لا يوجد أي رابط.‘‘
وأضافت أن “هذا الخلط خطير للغاية. وآخر شيء نحتاجه في كيبيك هم الأشخاص الذين يقسموننا.‘‘
وهاجم زعيم حزب المحافظين في كيبيك، إريك دوهيم ، فرانسوا لوغو على الرغم من أن حزبه يدعو أنه يريد اختيار ’’مهاجرين دائمين وفقًا لتوافقهم الحضاري (القيم الغربية والقدرة على الاندماج في ثقافة كيبيك) ومعرفتهم بثقافة كيبيك و اللغة الفرنسية.‘‘
وبالنسبة لزعيم هذا الحزب، ’’يرغب جميع سكان كيبيك في اندماج المهاجرين بشكل أفضل […]، ولكن في الوقت نفسه، القول إنهم يشكّلون تهديداً أو أنهم عنيفون، أو أننا قد نفقد السلم الاجتماعي، فهذا تجاوز لخطّ لا يمكن قبوله.‘‘
ودفت ردود الأفعال هذه بزعيم الكاك إلى الاعتذار على تويتر.
تُعتبر الهجرة ثراءً لكيبيك. سيكون الاندماج دائمًا تحديًا لأمّتنا الناطقة بالفرنسية في أمريكا الشمالية. لم أرغب في ربط الهجرة بالعنف. أنا آسف إذا تسببت تعليقاتي في حدوث ارتباك. رغبتي هيّ لمّ الشمل.
نقلا عن فرانسوا لوغو ، زعيم حزب التحالف من أجل مستقبل كيبيك – كاك
وبالنسبة لشادلي بلخوجة ، ’’لقد وقع الضرر. وقد تكون هذه استراتيجية انتخابية من طرف [فرانسوا لوغو] لمخاطبة إحدى مكونات ناخبيه.‘‘