شارك عازف العود عبد الوهاب الكيالي مؤخرا في النسخة الخامسة لمهرجان ’’موسيقيي العالم‘‘ في مونتريال.
’’القادمون‘‘ (Les Arrivants) (نافذة جديدة) فريق موسيقي صرف حديث النشأة، يضم ثلاثة فنانين وصلوا حديثا إلى مدينة مونتريال واستقروا فيها، وحضن مواهبهم تحديدا ’’مركز موسيقيي العالم‘‘ (نافذة جديدة) (Centre Des Musiciens du Monde) في وسط المدينة.
أطلق ’’القادمون‘‘ مؤخراً، خلال فعاليات النسخة الخامسة للمهرجان الذي ينظمه المركز، ألبوما باكورة حمل عنوان: ’’بيتي‘‘ (HOME). ’’هذا حقيقة لأننا شعرنا من اللحظة الأولى بالانتماء إلى هذه المدينة الكوسموبوليتية وأهلها، لم نشعر بغربة على الإطلاق، على الرغم من أن مجيئنا تزامن مع الإقفال التام الذي فرضته جائحة كوفيد-‘‘19‘‘، يقول الفنان الأردني الفلسطيني عبد الوهاب الكيالي (نافذة جديدة).
تجاوز حدود التقاليد والتراث لخلق موسيقى تشبه عصرها وزمانها
يتألف ’’القادمون‘‘ بالإضافة إلى الكيالي، من أميجاي شاليف وهو مؤلف موسيقي وعازف على آلة الباندونيون (bandoneón)، الشعبية في الأرجنتين والتي تشبه آلة الأوكورديون، علما أن شاليف من أصل أرجنتيني إسرائيلي. يضم الفريق أيضا الفنان الإيراني هامين هوناري الذي كان يعيش في مقاطعة بريتش كولومبيا في الغرب الكندي، وهو مؤلف موسيقي ايضا وعازف إيقاع.
10 معزوفات موسيقية ضمها الألبوم، وقد اشترك الفنانون الثلاثة في تأليفها وتوزيعها وعزف نوتاتها على الآلات الوترية من دون أي تشويه للأصول الموسيقية الشرقية والفارسية واللاتينية الأميركية، ومن دون أن تخدش الإيقاعات المتزاوجة والمنسجمة فيما بينها أذن سامعها.
الألبوم والفريق على صورة مدينة مونتريال بتعددها الثقافي والاثني والحضاري، ألحانه انعكاس لتلك الفسيفساء الغنية التي تشكلها الشعوب المختلفة التي هاجرت إلى هذه المدينة، واتخذت منها موطنا وملاذا ومساحة جديدة للحوار المثمر والتعايش الناجح والتفاعل البنّاء.
نقلا عن عبد الوهاب الكيالي، عازف عود أردني فلسطيني مقيم في مونتريال
(’’جذور‘‘ ألبوم موسيقي في باكورة النتاجات الموسيقية ألإفرادية لعبد الوهاب الكيالي، صدر في العام 2020)
يؤكد المتحدث على طابع مدينة مونتريال الفريد والمتميز ، كذلك بيئتها الحاضنة لشتى أنواع الفنون لمختلف الفنانين من كل الجنسيات، ’’عشت 13 عاما في الولايات المتحدة الأميركية كباحث أكاديمي خصوصا أنني متخصص في العلوم السياسية، وعندما شئت أن امتهن الموسيقى كان لدي خياران إما الهجرة إلى مونتريال أو إلى تورونتو، وقد اخترت مونتريال لما تتمتع به من أجواء موسيقية غنية، وسمعة طيبة في مجال الفنون يعرفها القاصي والداني‘‘.
ظروف الجائحة لعبت دورا إيجابيا في توطيد العلاقة الإنسانية والمهنية على حد سواء
إذا كانت الجائجة قد فرضت الإقفال والحجر والعزلة، فهي في الوقت ذاته زادت من أواصر اللحمة والتبادل والتفرّغ لعملية الإبداع الموسيقي عند أعضاء فريق ’’القادمون‘‘ الذين وصلوا في الفترة الزمنية ذاتها إلى مونتريال، في بداية جائحة كوفيد-19.
الموسيقى كانت المتنفس الوحيد بالنسبة إلينا في ظل الإقفال المطبق الذي عاشته المدينة خلال الموجة الأولى والثانية من الجائحة. لم يكن هناك سوى باب واحد مفتوح وهو باب مركز موسيقيي العالم الذي كنا نجتمع داخل جدرانه ونطلق العنان للوحي والتجلّي الموسيقي. وفي الوقت ذاته نتقاسم معا شجون وهموم الواصلين حديثا ويقوي أحدنا الآخر[…] مونتريال هذه المدينة الجميلة هي حاضنة مواهبنا وإنسانيتنا وعرابة اختلافنا المثمر والغني.
نقلا عن عبد الوهاب الكيلاني، موسيقي منتسب إلى ’’مركز موسيقيي العالم‘‘ في مونتريال
يقصّ المتحدث بأنه عاش هو وزوجته الترحال عدة مرات في حياتهما، واللجوء والهجرة ليس بالأمر الجديد الذي طرأ على مسيرتهما. ولكن الجديد حقا في حياة هذا الفنان، منذ أقل من سنة، هو امتهان الموسيقى بدوام عمل كامل و التفرغ للإبداع. هذا الأمر الذي ’’لم يكن ليسمح به أي مكان آخر في العالم غير كندا‘‘. في هذا الإطار يشرح الكيلاني بأن كندا تقدم الدعم المادي للفنان الذي يسمح له بالتفرغ للفن، يضاف إلى ذلك، صيغة المجتمع الكندي المنفتح على كافة الثقافات ’’وارتقائه إلى تحقيق المساواة بين كافة أفراده، ونبذ العنصرية والتمييز العرقي‘‘.
تجدر الإشارة إلى أن الألبوم لم يكن ليرى النور لولا منحة مالية قدمها ’’مجلس الفنون الكندي (نافذة جديدة)‘‘، كذلك حصل الفريق من خلال ’’مركز موسيقيي العالم‘‘ على منح من حكومة كيبيك وبلدية مونتريال.
دعم الفنون في كندا لا يأتي من مؤسسات خاصة، قد تفرض سيناريوهاتها على الفنان، وتضيّق مساحة حريته، بل توفرها الحكومة الفيدرالية في شكل خاص مما تفتقر إليه عدة دول عشت وأقمت فيها. هذه الميزة تتيح لمهاجر حديث مثلي بأن يمتهن الموسيقى وتحفّز على الابتكار والتطوير والتحليق في سماء الفنون.
نقلا عن عبد الوهاب الكيلاني، موسيقي أردني فلسطيني
’’بركانٌ‘‘ و ’’بسمةٌ‘‘
مساحة الضوء كبيرة وساحات الحرية واسعة، كذلك العوالم الرحبة كثيرة في المركز الذي ينتمي إليه موسيقيو العالم ممن يملكون الموهبة ويريدون تحقيق مكانة مرموقة في مجتمع مونتريالي متنوع، متطور ومواكب للعصر. في هذا المكان يتنفس المبدع وتوفر له كل الإمكانيات للتركيز على الابتكار. داخل أروقته تنظم ايضا حصص الدروس التي يعطيها الموسيقيون لمريدي الموسيقى، ويدخر الفنان أقساط الدروس لمعيشته.
في هذه البيئة الصحية الملهمة، كتب عبد الوهاب الكيالي لحنين من الألحان العشرة التي تضمنها ألبوم ’’Home’’. ’’بسمة‘‘ و’’بركان‘‘ عنوانان متناقضان وشعوران متضادان وإيقاعان مختلفان. وإذا كان لحن ’’بسمة‘‘ مشرق يشيع الفرح والسرور، فإن لحن ’’بركان‘‘ يفور غضبا وسخطا و امتعاضا.
يقول عبد الوهاب الكيلاني (نافذة جديدة): ’’لقد كتبت لحن الفرح في شهر شباط / فبراير 2021، عندما اجتمعت من جديد مع زملائي الفنانين بعدما منعتنا التدابير الصحية لمدة أكثر من شهرين من الالتقاء. أما لحن بركان، فكتبته في نيسان / أبريل 2021 تحية لروح المعارض السوري ميشال كيلو الذي وافته المنية بعد إصابته بداء كوفيد-19. ومن سخرية الأقدار أن حادثة وفاته تزامنت في الأسبوع ذاته مع ترشح الرئيس السوري بشار الأسد للانتخابات الرئاسية. اجتاحني بسبب ذلك غضب عارم وكان علي أن افرغ شحنة الاحباط على عودي‘‘.
تتقطع النوتات في لحن ’’بركان‘‘، تهيج وتتسارع، تقسو وتحدث ضجيجا و صوتا مدويا[…] غادرت العصافير أوكارها وأفلت النجوم في السماء وفي الأفق شهب سوداء، ألم، حزن وترقب[…]تداعت الأحلام وأبطئ فجر الحرية.
أنا ضدّ النقاء
أسهب الفنان كيالي في شرح فكرته عن ’’النقاء الموسيقي‘‘ ووصفه بأنه عكس الطبيعة والزمن والتطور.
أنا لم آتي إلى كندا حتى أحافظ على النقاء، لقد جئت إلى هذه البلاد من أجل أن اندمج وأختلط مع تركيبته الاثنية وهويته الثقافية وأساهم في تحقيق تطور الموسيقى الشرقية. إن عمالقة الموسيقى الشرقية مثل القصبجي والسنباطي وزكريا أحمد كانوا أكثر المجددين في الموسيقى وفي كسر شرنقة ’’النقاء‘‘، هؤلاء كانوا أبناء عصرهم وبيئتهم[…] وهل أبلغ من مثال فريد الأطرش في أغنية ’’ليالي الأنس في فيينا‘‘ المتشبعة بموسيقى الفالس الغربية؟
نقلا عن عبد الوهاب الكيالي، عازف عود أردني فلسطيني
وشدد المتحدث على أنه ليس هناك ’’موسيقى عالقة في زمن، وإنما هناك تراكم زمني وحضاري وتاريخي‘‘.
يقول من تتلمذ على يد كبار عازفي العود في العالم العربي، وتأثر بشكل خاص بالفنان العراقي الراحل منير بشير، ’’إن نبذ النقاء لا يعني ألا نتشبع بكل تفاصيل التراث والأصالة، وإنما من غير أن نكون أسرى للتراث، رافضين التجديد والتطور‘‘.
إننا نعيش في مجتمع مهاجر يفرض علينا عدم التقوقع والعزلة وخلق مجتمع شتات خاص بنا، ليس هذا في كل الأحوال ما أصبو إليه في هذه الحياة. إنني أريد أن أتطور مع الباقيين والفرصة سانحة لي في كندا وأنا سأبذل قصارى جهدي للاستفادة منها وجعل الموسيقى الشرقية تواكب أيضا هذا العصر.
نقلا عن عبد الوهاب الكيالي، المنتسب إلى ’’مركز موسيقيي العالم‘‘ في مونتريال
(أعدت التقرير كوليت ضرغام منصف)