أطلقت الشرطة الهندية قبل أيام، سراح حمامة اُشْتُبِه في استخدامها بعمليات تجسس، بعد اكتشاف رسالة على جناحيها مكتوبة بـ”حروف غير مفهومة”، قالت إنها قد تكون باللغة الصينية، وذلك بعد نحو 8 أشهر من احتجازها.
واشتبهت شرطة مومباي، في أن الحمامة كانت “جاسوسة”، لذا أرسلتها إلى مستشفى للحيوانات لإجراء فحص طبي عليها، ثم وضعتها في قفص منفصل لإجراء “تحقيق معمق”، وفق موقع The Eurasian Times.
ولم تعثر الشرطة على “أي مواد مشبوهة”، لذا افترضوا أنها كانت حمامة سباق جاءت من تايوان، وانحرفت عن مسارها لتصل إلى مومباي، حيث أُمسك بها.
وأثارت الواقعة الانتباه إلى تاريخ طويل من استخدام بعض الدول حول العالم، الحيوانات لأغراض التجسس.
ونظراً للحساسية الكامنة في علاقات الهند مع باكستان والصين، فقد اتخذت نيودلهي احتياطات إضافية مع الطيور التي تأتي إليها من الخارج.
وفي واقعة مشابهة، سادت حالة من الذعر في ولاية أوديشا الهندية، في مارس الماضي، بعد عثور الشرطة على “حمامتَين” مثبت عليهما كاميرات. لكن تقارير إعلامية محلية أشارت إلى أن مجموعة من الهواة، ربما من ميانمار أو كمبوديا أو تايلندا أو فيتنام، زودوا الحمامتين أيضاً بشرائح GPS، مثلما يحدث مع الطيور المهاجرة، لتتبع مسارهما.
وفي عام 2020، زعمت الشرطة الهندية أن حمامة حلقت من باكستان إلى الهند في منطقة كاثوا في ولاية جامو وكشمير كانت “جاسوسة”.
ومع الأخذ في الاعتبار تاريخ التجسس باستخدام الطيور وخاصة الحمام، فإن الهند ليست الدولة الوحيدة التي يبدو أنها مهووسة بهذه الممارسات.
“حمامات الحرب”
وتحدثت إليزابيث ماكالاستر مؤلفة كتاب “حمامات الحرب: سعاة مجنحون في الجيش الأميركي 1878-1957″، عن كيف كان الجيش الأميركي يستخدم الحمام منذ أواخر القرن التاسع عشر للتواصل.
وأشارت الكثير من المواد التي رُفعت عنها السرية مؤخراً، إلى أن وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية CIA استخدمت الحمام في مهمات تجسس.
وعمل مكتب البحث والتطوير الأميركي لسنوات عدّة، على تدريب أنواع مختلفة من الطيور، وفقاً لورقة عمل تابعة لوكالة الاستخبارات المركزية رُفعت عنها السرية في سبتمبر 1976.
وبحلول ذلك الوقت، زُعم أن مكتب البحث والتطوير استثمر نحو 100 ألف دولار، ليس فقط في تدريب الحمام، ولكن أيضاً لتصميم الأغطية والكاميرات، واعتُبرت الصور التي التقطتها الطيور ذات جودة “مذهلة”.
ونظراً لأن هذه الاختبارات أُجريت في مناطق من المنشآت العسكرية داخل الولايات المتحدة، برزت مخاوف بشأن التنصت غير القانوني على المكالمات الهاتفية والمراقبة المحلية، ولم يوافق قادة CIA على إجراء المزيد من التجارب.
أوسمة شرف
ولا يزال نطاق البرنامج غير معروف، إذ اعترفت وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية في مقطع فيديو عام 2021، بأن “أجزاء من المهمة ما زالت سرية”.
وكانت المهمة المقصودة من هذا البرنامج هي استخدام الحمام ضد أهداف استخباراتية “ذات أولوية” داخل الاتحاد السوفيتي السابق. وتشير الملفات التي رُفعت عنها السرية إلى أن الطيور شُحنت سراً إلى العاصمة الروسية موسكو.
وبحثت CIA في العديد من الطرق التي يمكن من خلالها إطلاق الطيور، ربما من تحت معطف سميك، أو من ثقب في أرضية السيارة عندما تكون متوقفة.
ويُعتقد أن المنطقة المستهدفة، كانت أحواض بناء السفن في لينينجراد، التي كانت تبني أكثر الغواصات السوفيتية تقدماً، ومع ذلك لا أحد يعرف ما إذا كان الحمام حلَّق بالفعل في مهمته أم لا، فضلاً عن طبيعة المعلومات التي جمعتها.
وكان استخدام الحمام في العمليات الاستخباراتية ممارسة مستمرة على مر العصور، ولكن خلال الحربين العالميتين الأولى والثانية كان له دور بارز للغاية.
وفي زمن الحرب، تم تجهيز الحمام بكاميرات صغيرة لتمكنه بعد ذلك من توصيل الرسائل، بينما تقوم أيضاً بالتقاط الصور وجمع المعلومات الاستخباراتية، دون أن يتم اكتشافها فعلياً. وحصل الحمام في 95% من الحالات على أوسمة شرف أكثر من أي حيوان أو طائر آخر في التاريخ العسكري والاستخباراتي.
دلافين التجسس
وعند الحديث عن الحيوانات والطيور كجواسيس، فهناك أمثلة على القطط والكلاب والفيلة والدلافين وغيرها. وقبل نحو 4 سنوات، تصدَّر “حوت تجسس” روسي يُدعى “هفالديمير” الأخبار، بعد أن رُصد بالقرب من النرويج، وهو يرتدي حزاماً وأدوات تجسس.
كما يُزعم أن روسيا بقيادة الرئيس فلاديمير بوتين تستخدم الحيتان والدلافين كأسلحة في معركتها ضد الغرب، بناء على تاريخ غامض لمثل هذه الممارسات في الماضي.
وتشير ملفات CIA التي رُفعت عنها السرية، إلى أنه خلال فترة الحرب الباردة (1947 إلى 1991) عمل السوفيت على تدريب الدلافين لوضع “طرود” مثل أجهزة التتبع والمتفجرات على السفن.
ولم يتردد الأميركيون في استخدام الدلافين للتجسس أيضاً، ففي ستينيات القرن الماضي، بحثت CIA استخدام الدلافين لـ”اختراق الموانئ”، وشن هجمات ضد سفن العدو.
وأجرت واشنطن اختبارات بشأن ما إذا كان بإمكان الدلافين حمْل أجهزة استشعار لجمع أصوات الغواصات النووية السوفيتية، أو البحث عن آثار أسلحة إشعاعية أو بيولوجية من المنشآت القريبة. وأنفقت بحلول عام 1967، أكثر من 600 ألف دولار على 3 برامج للتجسس من خلال “الدلافين، والطيور، والقطط والكلاب”.
مشروع Acoustic Kitty
وحصل مشروع Acoustic Kitty، على شهرة كبيرة داخل الولايات المتحدة بعدما شرعت وكالة الاستخبارات المركزية في تحويل قطة منزلية عادية إلى جهاز استماع سري.
وتضمنت الخطة زرع ميكروفون جراحياً في قناة أذن القطة، وجهاز إرسال لاسلكي في قاعدة جمجمتها، وهوائي سلكي رفيع يمتد على طول عمودها الفقري. لنشر الجواسيس بالقرب من السفارات أو غيرها من المواقع الحساسة للتنصت على المحادثات. وانتهى المشروع بالفشل الذريع، وتم التخلي عنه بعد الاختبار الميداني في واشنطن.
وجرى إطلاق القطة بالقرب من مقعد في الحديقة حيث كان يجلس رجلان، ولكن بدلاً من التركيز على محادثتهما، تشتت انتباهها وسحقتها سيارة أجرة، ليتم التخلي عن المشروع بعد فترة وجيزة.
وفي الوقت الحالي، هناك تقارير عن تطوير وتدريب “الروبوتات الثعابين” من قِبَل الجيش الإسرائيلي للتنقل في الأماكن الوعرة والضيقة للقيام بعمليات استخباراتية، كما صُممت للتسلل بهدوء إلى أراضي العدو، وهي قادرة على تسجيل الفيديو والصوت.
المصدر: الشرق