بعد عودة طالبان إلى السلطة في أفغانستان في أغسطس 2021، تم إجلاء آلاف الأفغان الذين عملوا مع قوات الناتو، بما في ذلك الولايات المتحدة وكندا، من أفغانستان من خلال برامج خاصة.
حتى الآن، رحبت كندا بأكثر من 32 ألف أفغاني، بمن فيهم أولئك الذين ساعدوا الحكومة الكندية والصحفيين ونشطاء حقوق الإنسان.
ولكن العديد من الأفغان الذين لم يكونوا على قائمة الأشخاص الذين تم إجلاؤهم في الدول الغربية لجأوا مؤقتا إلى البلدان المجاورة مثل إيران وباكستان وطاجيكستان – وقام البعض برحلات طويلة وخطيرة عبر قارات متعددة بهدف الوصول إلى كندا.
وقال حميد “اسم مستعار لحماية هويته” وهو لاجئ أفغاني: “لم يكن مهما بالنسبة لي إلى أي بلد سأذهب إليه، ما يهمني هو إيجاد السلام والقبول كمهاجر هناك”.
ولتحقيق حلمه، قرر حميد مغادرة إيران حيث كان يعيش لمدة عام، وكان يدرس ويعمل بعد أن أجبر على مغادرة أفغانستان.
وكان حميد يعمل مع الحكومة الأفغانية السابقة في كابول ويدرس للحصول على درجة الماجستير في إحدى الجامعات في إيران، والتي كانت تقدم دورات عبر الإنترنت في ذلك الوقت بسبب الوباء.
وقبل أن يصل مقاتلو طالبان إلى كابول، حيث كان يعيش، شعر أنه بحاجة إلى المغادرة، لأنه إذا اكتشف طالبان أنه يعمل مع الحكومة الأفغانية السابقة، فستكون حياته في خطر.
ووسط حالة من الفوضى وعدم اليقين التي أعقبت عودة طالبان إلى السلطة، وجد حوالي مليون أفغاني أنفسهم نازحين في إيران بحثا عن الأمان، ومعظمهم بدون وثائق قانونية.
وكان حميد محظوظا لأنه حصل على تأشيرة – من الجامعة التي كان يدرس بها – تحميه من احتمال توقيفه من قبل الشرطة الإيرانية، ومع ذلك، ظل قلقا بشأن احتمال انتهاء صلاحية تأشيرته.
وبعد ذلك، برز بصيص أمل، مع انتشار الأخبار عن برنامج التأشيرات الإنسانية في البرازيل، والذي يهدف إلى توفير الملاذ للهاربين من الصراع والاضطهاد، وعلى الرغم من أنها ليست الوجهة الأساسية للاجئين الأفغان، إلا أن نهج البرازيل المنفتح والتزامها بالعمل الإنساني شكّل شريان حياة لأولئك الذين يسعون بشدة إلى الأمان.
وحصل حميد على تأشيرة البرازيل وسافر بأمان إلى وجهته التالية، ساو باولو.
قال صابر “اسم مستعار”، لاجئ أفغاني آخر استفاد أيضا من تأشيرة البرازيل الإنسانية من إيران للذهاب إلى ساو باولو: “الرحلة الحقيقية تبدأ من هنا”.
فبعد قضاء 23 يوما في مخيم للاجئين في ساو باولو، لاحظ صابر أن عددا من زملائه في السكن وأصدقائه الذين وصلوا إلى هناك أيضا كانوا يغادرون المخيم في تكتم، دون إخباره أو إخبار الآخرين عن وجهاتهم.
وأضاف صابر: “رأيت صور أحد أصدقائي على فيسبوك تظهره في كاليفورنيا، وعندما سألته كيف وصل إلى هناك، قال إذا كان لديك 2000 دولار، غادر”.
ووفقا لطالبي اللجوء الذين تحدثت معهم سي تي في، فإنهم عادة ما يمتنعون عن مشاركة تفاصيل رحلتهم مع الآخرين كإجراء احترازي لتجنب جذب الانتباه واحتمال الوقوع في أيدي المتاجرين بالبشر، فاللاجئون الذين يملكون ما يكفي من المال لدفع رسوم أعلى لمهربي البشر سيكون لديهم رحلة أسهل بينما أولئك الذين لديهم أموال أقل سيتم نقلهم عبر طرق أكثر خطورة ومحفوفة بالمخاطر، وغالبا سيرا على الأقدام.
ووفقا للاجئين، تم استخدام جزء من الأموال التي قدموها لمهربي البشر لرشوة شرطة الحدود في البلدان التي يعبرونها على طول الرحلة للوصول إلى الولايات المتحدة.
وبدأت رحلة نصر الله بابور في ساو باولو بالبرازيل ومن هناك سافر إلى بيرو، وبعد ذلك، شق طريقه عبر الإكوادور وكولومبيا وبنما وكوستاريكا ونيكاراغوا وهندوراس وغواتيمالا والمكسيك والولايات المتحدة قبل أن يصل أخيرا إلى كندا، وقام حميد وصابر بنفس الرحلة في أوقات مختلفة.
وقال بابور، الذي بدأ رحلته إلى كندا في أغسطس 2022: “أمضيت ثلاثة أشهر في الطريق وأنفقت حوالي 7 آلاف دولار للوصول إلى كندا”.
وتوجه صابر مع ستة لاجئين آخرين من باكستان والهند والصين وفنزويلا إلى حدود بيرو، وأعطى كل واحد منهم مبلغ 700 دولار لمهربة تدعى ساندرا لتأخذهم إلى ميناء نيكوكلي على ساحل البحر الكاريبي.
وقال صابر “لم ترافقنا ساندرا طوال الرحلة، بل كان لديها مهربون آخرون جاهزون على حدود كل بلد لنقلنا”.
وبحلول الوقت الذي وصلت فيه مجموعة صابر إلى كولومبيا، سافروا مع ثلاثة مهربين، ودفع كل منهم 100 دولار إضافي من أجل رشوة شرطة الحدود في البلدان التي مروا بها.
عبور فجوة دارين
بالنسبة لمعظم الأفغان، يبدأ الجزء الصعب من الرحلة في نيكوكلي، وهي بلدة كولومبية على حافة فجوة دارين التي تربط أمريكا الوسطى والجنوبية، وتتكون من مساحة كبيرة تغطيها المستنقعات والغابات المطيرة.
ولا توجد طرق تمر عبر الأدغال الكثيفة في فجوة دارين، مما يعني أنه يتعين على طالبي اللجوء عادة ركوب قوارب صغيرة والسير لمئات الكيلومترات للوصول إلى وجهتهم.
وبعد ثلاثة أيام في نيكوكلي، التقى صابر وأصدقاؤه بمهرب آخر وعدهم بأخذهم عبر طريق يفترض أنه سهل مع مشي أقل مقابل 350 دولارا، ولكن في وقت لاحق، أدركت مجموعة صابر أن المهرب كذب.
ومشى صابر ومجموعته عبر الغابة خمسة أيام وليال، وقال “كانت كل خطوة تمثل تحديا، وكانت هناك أماكن وصل الطين فيها الى عمق الركبة لكننا واصلنا العزم على تجاوز كل العوائق التي تقف أمامنا”.
كما وصف حميد الغابة البنمية بأنها أخطر جزء في الرحلة.
وبعد ثلاثة أشهر من تحمل المصاعب خلال رحلاتهم عبر أمريكا الجنوبية والوسطى، وصل حميد وصابر وبابور إلى الولايات المتحدة بعد أن عبروا جدار ترامب على الحدود المكسيكية، ومع ذلك، سرعان ما أدركوا أن الحصول على إقامة طويلة الأمد ولم شمل عائلاتهم في الولايات المتحدة كان احتمالا غير وارد، وبالتالي، اتخذوا قرارا بمواصلة رحلتهم إلى كندا.
ووصلوا إلى كندا في تواريخ مختلفة في ديسمبر 2022، مرورا عبر الحدود في طريق روكسهام، الطريق غير الرسمي للاجئين للعبور إلى كندا قبل أن تتفق كندا والولايات المتحدة في مارس على تعديل اتفاقية الدولة الثالثة الآمنة لتشمل المعابر غير الرسمية، وعبروا الحدود إلى الأراضي الكندية، وقالوا إنهم “اعتقلوا” من قبل شرطة الحدود الكندية واقتيدوا لمزيد من التحقيق.
وبعد ساعات، تم إرشادهم إلى أماكن إقامة مؤقتة في أونتاريو ومونتريال، وتم نقل صابر إلى مونتريال، حيث أمضى حوالي شهر في فندق قبل أن يتوجه إلى تورونتو.
وفي تورنتو، تحمل صابر فترة انتظار طويلة لمدة شهرين للحصول على المستندات، بما في ذلك تصريح العمل ووثيقة التعريف والحالة الأولية المعروفة باسم “الورق البني”، وتُعد هذه المستندات بمثابة اعتماد حاسم لطالبي اللجوء في كندا، فهي تمنح حاملها الإذن القانوني للعمل والإقامة في كندا.
ولجأ كل من حميد وبابور في البداية إلى فندق بالقرب من شلالات نياجرا، وقد نجحا مؤخرا في الحصول على تصاريح عمل و “أوراق بنية”.
وتجدر الإشارة إلى أن كلا من حميد وصابر متزوج ولديه أطفال ما زالوا يعيشون في أفغانستان، لكن بابور أعزب، ولقد قاموا جميعا بالرحلة الصعبة بشكل منفصل.
المصدر: سي تي في