دعا المستشار الألماني أولاف شولتس ورئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين من جديد إلى “خطة مارشال” لأوكرانيا. ولكن ما هي بالضبط “خطة مارشال”؟ وماذا يمكن أن تقدم للبلد الذي مزقته الحرب؟
عندما يتعين التصدي لمهام كبرى وإيجاد حلول لها، في الغالب يدعو السياسيون إلى “خطة مارشال”: من خطة مارشال للاقتصاد المتعثر بفعل جائحة كورونا إلى خطة مارشال لإنقاذ البيئة.
قبل وقت قصير من قمة مجموعة السبع في حزيران/يونيو الماضي، كان المستشار أولاف شولتس قد قام بالفعل بحملة لإطلاق خطة مارشال لإعادة إعمار أوكرانيا. في البيان الحكومي الأسبوع الماضي، قال شولتس إنه خلال زيارته لأوكرانيا ذكرته مآسي الحرب التي شاهدها بصور المدن الألمانية التي دمرت في الحرب العالمية الثانية. وساق تشبيهاً آخر: “ومثل أوروبا التي مزقتها الحرب في ذلك الوقت، تحتاج أوكرانيا إلى خطة مارشال لإعادة الإعمار اليوم”. وأردف شولتس أن “إعادة إعمار أوكرانيا تتطلب خطة مارشال جديدة للقرن الحادي والعشرين، وهي مهمة جيل يجب أن تبدأ الآن”.
وقد سار أولاف شولتس وأورسولا فون دير لاين في دعوتهما حتى رأت النور. بدعوة من رئيسة المفوضية الأوروبية، التقى خبراء دوليون في برلين الثلاثاء (25 تشرين الأول/أكتوبر 2022) لمناقشة إعادة الإعمار في أوكرانيا بعد أن تضع الحرب أوزارها. وشارك في الاجتماع رئيس وزراء أوكرانيا دينيس شميهال.
“برنامج التعافي الأوروبي”
في حزيران/يونيو 1947، لمساعدة أوروبا المنكوبة بعد الحرب العالمية الثانية ، اقترح وزير الخارجية الأمريكي آنذاك جورج سي. مارشال “برنامج التعافي الأوروبي”، المعروف اليوم باسم خطة مارشال.
وقد نصت الخطة على أن تقدم الولايات المتحدة الأمريكية قروضاً لإعادة الإعمار، وتسليم البضائع والمواد الخام والمواد الغذائية إلى أوروبا. بين عامي 1948 و1952، تدفق أكثر من 12 مليار دولار على 16 دولة أوروبية، بما في ذلك ألمانيا وإيطاليا وفرنسا وبريطانيا العظمى. تلقت ألمانيا الغربية حوالي 1.5 مليار دولار من الأموال. لم تعزز المساعدة المالية معجزة اقتصادية في أوروبا فحسب، بل أدت أيضاً إلى إنشاء أسواق مبيعات جديدة للولايات المتحدة الأمريكية.
كان لخطة مارشال أيضاً جانب سياسي، حيث لم تستفد جميع الدول الأوروبية من الأموال الأمريكية. بينما أرادت الولايات المتحدة الحد من نفوذ الاتحاد السوفيتي في أوروبا الشرقية، خافت موسكو من السيطرة الغربية ومنعت بعض الدول مثل المجر وتشيكوسلوفاكيا وبولندا من المشاركة في برنامج إعادة الإعمار.
في الذاكرة الألمانية والأوروبية الجماعية، تعتبر خطة مارشال بشكل عام برنامجاً ناجحاً. ضمنت الخطة تعافي الاقتصاد الأوروبي وتمكين الهياكل الديمقراطية من ترسيخ جذورها. غالباً ما يتم الاستشهاد بخطة مارشال اليوم كمثال عندما يتعلق الأمر بإعادة الإعمار بعد الحروب أو الأزمات.
دمار كبير حل بالمدن الأوكرانية بفعل الغزو الروسي
من سيقدم الأموال لكييف؟
يتعلق طلب المستشار بخطة مارشال في المقام الأول بمنظور طويل الأجل. وقال شولتس أمام البوندستاغ في حزيران/يونيو إنه يتوقع أن تستمر الحرب في أوكرانيا لبعض الوقت، و”على غرار خطة مارشال، يجب أن يستعد الغرب لإعادة إعمار طويلة للبلد: سنحتاج إلى المزيد من المليارات من اليورو والدولارات لإعادة الإعمار – وذلك لسنوات قادمة”. في الوقت نفسه، شدد شولتس على أنه يريد مواصلة تقديم الدعم الهائل لأوكرانيا مع الدول الأوروبية الأخرى، أي “مالياً واقتصادياً وإنسانياً وسياسياً وأخيراً وليس آخراً تسليم كييف الأسلحة”.
قبيل مؤتمر إعادة الإعمار، قالت أوكرانيا إن على ألمانيا تحويل 500 مليون دولار أمريكي (506 مليون يورو) شهرياً لتمويل ميزانية الدولة في أوقات الحرب.
وبحسب وسائل الإعلام، قال المستشار الاقتصادي للرئيس فولوديمير زيلينسكي، ألكسندر رودنيانسكي: “نحتاج من أربعة إلى خمسة مليارات دولار شهرياً لميزانيتنا. نعتقد أن ألمانيا يمكن أن تتحمل حوالي 500 مليون دولار شهرياً، فيما يخص عام 2023 على الأقل. وتأمل أوكرانيا أن يساهم الاتحاد الأوروبي بحوالي ملياري دولار في الشهر.
يتوقع رئيس بنك الاستثمار الأوروبي، فيرنر هوير، تقديم حزمة مساعدات بمليارات الدولارات لأوكرانيا، ما نحتاجه هو برنامج “يتوجه للجمهور في كل العالم وليس فقط لدافعي الضرائب في الاتحاد الأوروبي”.
ويرى الاتحاد الأوروبي أن أوكرانيا يجب أن تأخذ زمام المبادرة في إعادة الإعمار، بالتنسيق مع الاتحاد الأوروبي، ودول مجموعة السبع، ومجموعة العشرين، والمؤسسات والمنظمات المالية الدولية.
سليا توماس/(خ.س.)