اقترب اليوم الثلاثاء المتمردون الذين يقودون هجوما في شمال سوريا من مدينة حماة، رابع مدينة في البلاد، حيث اشتبكوا مع الجيش النظامي المدعوم بالقوات الجوية الروسية وتعزيزات كبيرة.
وأعلن المرصد السوري لحقوق الإنسان، أن المتمردين وصلوا ’’إلى أبواب‘‘ هذه المدينة الاستراتيجية الواقعة في وسط البلاد بين حلب والعاصمة دمشق، وقاموا بقصف بعض الأحياء.
ووفقاً للمرصد، وهو منظمة غير حكومية مقرها في المملكة المتحدة ولديها شبكة واسعة من المصادر في سوريا، فإن القتال على مشارف هذه المدينة تسبب في ’’موجة كبيرة من النزوح.‘‘
وخلفت هذه المعارك 602 قتيلا خلال أسبوع واحد، بينهم 104 مدنيين، بحسب المرصد. وهذه الخسائر هي الأولى من هذا الحجم منذ عام 2020 في هذا البلد الذي مزقته الحرب الأهلية.
وإلى يوم السبت، نزح أكثر من 48.500 شخص إلى مناطق حلب وإدلب المجاورة، أكثر من نصفهم من الأطفال، بحسب مكتب الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية (Ocha).
وشن تحالف من المتمردين الذين تقودهم الجماعة الإسلامية المتطرفة ’’هيئة تحرير الشام‘‘، الفرع السوري السابق لتنظيم القاعدة، هجوما مفاجئاً في شمال غرب سوريا في 27 تشرين الثاني/نوفمبر، حيث سيطر على عشرات البلدات وجزء كبير من حلب ثاني مدن البلاد قبل أن يواصل تقدمه نحو الجنوب.
وفي حوار مع راديو كندا الدولي، أوضح الناشط السياسي الكندي السوري عماد الظواهرة، رئيس منظمة ’’مسار من أجل الديموقراطية والحداثة‘‘ وهي منظمة مجتمع مدني كندية مستقلة، أنّ الشمال السوري أصبح ينقسم إلى ثلاث مناطق منذ اندلاع الحرب في 2011.
الشمال الغربي الذي تسيطر عليه هيئة تحرير الشام التي كانت تعرف بجبهة النصرة ومركزه إدلب. والتحقت بها الجبهة الشامية ’’وهي مجموعة إسلامية سلفية أقلّ تزمتاً من النصرة.‘‘
والوسط الذي تسيطر عليه مجموعات من الجيش الحر وهي مجموعات وتنظيمات خرجت من الجيش السوري. وتمارس تركيا عليه نفوذاً مباشراً ’’بالتدريب والتمويل والتسليح.‘‘
والشمال الشرقي ’’من الفرات إلى حدود العراق‘‘ تسيطر عليه قوات سوريا الديمقراطية (قسد) والتي يغلب عليها المكوّن الكردي وتدعمها الولايات المتحدة.
ويرى السيد الظواهرة أنّ سقوط حلب بات ممكناً في الفترة الأخيرة بسبب الوضع الجديد في الشرق الأوسط. وهذا ما تأكّد بعد هجوم هيئة تحرير الشام على المدينة.
اللحظة الجيوسياسية مناسبة [للقيام بهذا الهجوم] بسبب ِضعف محور المقاومة، حيث لم يعد هناك مجال لوصول الامدادات. وعلى صعيد البنية فإنّ الجيش السوري متعب.نقلا عن عماد الظواهرة، رئيس منظمة مسار من أجل الديمقراطية والحداثة
فالمجموعات الإسلامية السنية خسرت في غزة والإسلام السياسي الشيعي خسر في لبنان، كما أضاف.
وبالنسبة له، فإن الجيش السوري يعتمد على الميليشيات الطائفية الشيعية العراقية والأفغانية و اللبنانية من حزب الله.
و ’’الإيرانيون غير قادرين حالياً على الوصول إلى سوريا حيث تمّ قصف ميليشياتهم [من قبل قوات التحالف الدولي]‘‘، كما قال.
أمّا روسيا التي تدعم نظام الرئيس السوري بشار الأسد منذ 2015، فقد تردّدت في البداية، حسبه.
تركيا وروسيا
وفي حوار بثّته هيئة الإذاعة الكندية، أوضح من جانبه،سامي عون، الأستاذ الفخري في العلوم السياسية في جامعة شيربروك أنّ ’’تركيا هي عرّاب تحالف المتمرّدين لا تريد بالضرورة الإطاحة بنظام الأسد. بل تريد إضعافه لجلبه إلى طاولة المفاوضات لإحداث إصلاحات سياسية أو دستورية.‘‘
وسيسمح ذلك بدمج قوى المعارضة، وخاصة المعتدلة منها، كما أضاف البروفيسور سامي عون.
وأكّد أن ’’تركيا استغلت فرصة إضعاف إيران وإضعاف الدعم الرئيسي لنظام الأسد، أي حزب الله، لإعطاء الضوء الأخضر
لهذا الهجوم المفاجئ و للسيطرة بشكل أكبر على المناطق ذات أغلبية سنية.‘‘
وسيجعل ذلك النظام السوري ’’عالقاً في العاصمة دمشق وفي قاعدته السكانية الموالية له في المناطق العلوية‘‘، كما أضاف.
وعن دعم روسيا لنظام الرئيس السوري بشار الأسد، قال سامي عون إن ’’روسيا قد تكون لها مصالح في التقارب مع تركيا، أي الدفع إلى إجراء إصلاح سياسي في سوريا.‘‘
وهي لا تريد أيضاً ’’وجوداً إيرانياً كبيراً في سوريا‘‘ لأنها قد تريد الحفاظ على احتكارها للتراب السوري ولا تريد تقاسمه مع إيران على وجه الخصوص.‘‘
ومن جهة أخرى، ’’تريد روسيا تلبية الاحتياجات الأمريكية والإسرائيلية بقطع الإمدادات على حزب الله ومنع تدفق الأسلحة الإيرانية إلى الميليشيات الموالية لإيران و على وجه الخصوص حزب الله في لبنان.‘‘
المستقبل
ويضيف من جهته الناشط السياسي الكندي السوري عماد الظواهرة أنّ هذه الأحداث لن تؤدّي إلى سقوط نظام الأسد الذي ’’أُضعف.‘‘
ويعزو ذلك أيضاً إلى أنّ ’’الدول العربية المجاورة وحتى تركيا متخوّفة من التداعيات الخارجة عن السيطرة‘‘ التي قد تحدث في حالة انهيار النظام السوري.
ومثله مثل البروفيسور سامي عون، يؤكّد عماد الظواهرة أنّ التطورات الحالية تدفع إلى فرض حلّ سياسي للأزمة السورية.
وذكّر أنّ الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب ’’جعل الكلّ يستعدّ‘‘ للمرحلة القادمة ولماَ سيقوله هذا الأخير في الشأن السوري.
وهذا ما جعل، وفقاً له، تركيا تتحرّك لفرض أمر واقع جديد.
هذا ظرف جيوستراتيجي مهم [لِتركيا] لخلق تغيير ومسك ورقة للتفاوض في المرة القادمة. عماد الظواهرة،نقلا عن رئيس منظمة مسار من أجل الديمقراطية والحداثة
وخَلُص هذا الأخير إلى أنّه من ’’الواضح أن الإيرانيين هم الذين يُدفعون إلى الخارج.‘‘
ولن يُزعج ذلك روسيا، وفقاً له. ’’ليس للروس قوات برية في سوريا. عندهم قوات جوية فقط. الذي يقوم بالعمليات الأرضية هي الميليشيات الشيعية الأفغانية والباكستانية (الفاطميون والزينبيون) والحشد الشعبي العراقي وحزب الله اللبناني.‘‘
وفي حوار بثّته هيئة الإذاعة الكندية خلال حصة (24/60) اليومية، قال فابريس بالونش، الأستاذ المساعد في جامعة ليون 2(فرنسا)، والزميل المساعد في معهد واشنطن إنّ ’’ما تريده تركيا في الواقع هو بناء منطقة عازلة بعمق 30 إلى 40 كم في شمال سوريا، من إدلب إلى الحدود العراقية، ومن الواضح أنها تكون خالية من الأكراد.‘‘
وستسمح هذه المنطقة بإعادة اللاجئين السوريين المتواجدين في تركيا. وبلغ عددهم 4 ملايين لاجئ. وستمكّن من منع موجات جديدة من الهجرة باتجاه الأراضي التركية في حال عاد الجيش السوري إلى هذه المنطقة.
ويرى فابريس بالونش ’’أننا، في الواقع، نتجه نحو تقسيم سوريا حيث تكون حلب عاصمة للمنطقة الشمالية. يمكن أن يشبه ذلك ما لدينا في قبرص، جمهورية قبرص الشمالية الخاضعة للسيطرة التركية.‘‘
(مع معلومات من وكالة فرانس برس ووكالة رويترز)