أثار مقتل مهاجر نيجيري في إيطاليا سلسلة من ردود الفعل في البلاد. نشطاء مناهضون للعنصرية يطالبون الآن بإصلاحات تشريعية وفي مجال الهجرة، من أجل وقف التمييز ضد السود في البلد المتوسطي.
تحذير: يحتوي هذا المقال على روايات مصورة عن العنف العنصري، التي قد تكون مزعجة لبعض القراء.
الحادثة وقعت الجمعة 29 يوليو/ تموز 2022. ويتهم فيها رجل إيطالي أبيض (32 عاماً) بضرب أليكا أوغوتشكو حتى الموت، وهو بائع نيجيري متجول لديه إعاقة جسدية ويعمل في مدينة تشيفيتانوفا ماركي الإيطالية.
وطارد المشتبه به ضحيته، وأسقطه أرضا بعكازه وضربه مرارا في شارع تسوق مزدحم بوسط المدينة. وتسبب عدم قدوم أحد للمساعدة على ما يبدو في صدمة على مستوى إيطاليا.
ومع ذلك، قالت الشرطة إنها لا ترى أي دلائل على عمل عنصري، مرجحة أن الشجار بدأ بعد رد المشتبه به عندما طلب من الضحية مالا. وكان القتيل (39 عاماً) بائعا متجولا معروفا في المنطقة، حسبما نقلت وكالة الأنباء الألمانية “د ب أ”.
“كل ما أريده هو العدالة. هذا ما أريده. يجب أن يدفع ثمن جريمته”، تقول تشاريتي أوراخي، زوجة القتيل لـDW. وتعتقد أوراخي أن قتل زوجها حدث بدافع عنصري. وتضيف: “لو لم يخنقه لكان زوجي قد استقل الحافلة ورجع إلى البيت. كان سيكون اليوم في البيت وعلى قيد الحياة”.
والآن بقيت السيدة لوحدها وعليها مسؤولية تربية طفلين، وبالتالي فإن مستقبل الأسرة يبدو غامضا، وتقول: “تحسنت قليلا، ولكني أفقد قواي”. وتضيف في حديثها لـDW: “الطفلان متعبان لأنهما لم يرياه. إنهما يتخيلان الأشياء فقط”.
دعوات لتطبيق العدالة
حادثة مقتل أوغوتشوكو أثارت ردود فعل في إيطاليا وسلطت الضوء على وضع الأفارقة في البلاد. وخرجت احتجاجات في أنحاء إيطاليا ودعت لإحقاق العدالة وإنصاف أوغوتشوكو. مقتله لم يكن حادثا عرضيا، وإنما يقع في إطار العنصرية المنتشرة ضد السود في المجتمع.
“كل ما تريده هو العدالة” تقول تشاريتي أوراخي، أرملة القتيل النيجيري
جميع الآباء الأفارقة السود، الذين قابلناهم بخصوص الحادثة وعددهم 21 شخصا، حيث يقيمون في شمال إيطاليا، قالوا لنا إن أطفالهم يتعرضون للعنصرية وتُطلق عليهم أسماء غير إنسانية، ويُقارنون بالقردة ويحتقرهم زملاؤهم البيض في المدرسة. وكانت أغلب إجابات من تحدثوا معنا هي: “إيطاليا هي دائما وأبدا إيطاليا والعنصرية موجودة هنا دائما”.
بالوتيلي مثالا
“يمكنك أن تنظر إلى (ماريو) بالوتيلي وما حدث له في ملاعب كرة القدم، وهو كنجم بهذه الأهمية الكبيرة، فما بالك بطفل فقير أو طفل من عائلة فقيرة مثل عائلتنا”، يتساءل أحد الآباء. بالوتيلي، المولود في باليرمو الإيطالية لأبوين غانيين، والذي يلعب حاليا لنادي سيون السويسري، تعرض سابقا وبشكل متكرر لصيحات استهجان وألقي عليه موز عندما كان يلعب في الدوري الإيطالي.
ثقة الجالية الأفريقية بالشرطة الإيطالية ضعيفة. لأن الشرطة التي تحقق في مقتل أوغوتشوكو استبعدت، حتى قبل بدء التحقيق، وجود دافع عنصري للجريمة.
ويقول جاستن، وهو نيجيري يعيش في إيطاليا ويعمل ميكانيكيا للسيارات، إنه لا يمتلك أي فكرة عن كيفية الإبلاغ رسميا عن أعمال عنصرية في البلاد، ولا عن الجهة التي تتلقى هذه البلاغات. ولا يعرف إن كان ذلك ممكنا أصلا. ويقول لـDW: “لا يمكنك التعامل مع الأمر، لأنك لا تعرف الجهة المناسبة لتذهب إليها، ولا تعرف المكتب المعني، ولا تعرف من هم الأشخاص المكلفين بذلك”. ويضيف: “كنت أتمنى لو أن أحدا ما أرشدنا، عندما جئنا إلى أوروبا. لو وُجد شخص عاش هنا وعانى من كل هذا، فإنه سيكون قادرا على إرشادنا وتعليمنا كيف نتحاشى بعض الأشياء. العنصرية تتعبنا بالفعل. ليس لنا حقوق متساوية هنا”.
ويشدد جاستن على أن الأفارقة هم بشر محبون ومهتمون بالآخرين ومتعلمون، ويقول: “كل ما نريده هو أن نحظى بالقبول وأن نُعامل على قدم المساواة مثل أي إنسان آخر”.
تحديد الدوافع
تصف أوغيكو نوابوزو، كبيرة الباحثين في الشبكة الأوروبية لمناهضة العنصرية، لـDW ردة فعلها على الحادثة. وتقول إنها متفاجئة بتصرف الشرطة الإيطالية، “التي لا تفي بالتزاماتها بالتحقيق في الدافع العنصري للجريمة”، كما ترى نوابوزو، وتضيف: “لقد اعتمدت الشرطة على أقوال الجاني في تقييم ما حدث، وهل شعر بدافع عنصري أم لا. وهذا يتعارض مع كل ما نعرفه عن التحقيق في الجرائم”. فمن المعلوم، كما تؤكد الباحثة في مجال التمييز أن “العقوبة ستشدد إذا كان هناك عاملٌ عنصري أو دافع عنصري. ولذلك فمن مصلحته القول إنه لم يتصرف بدافع عنصري”.
اضطر العديد من المهاجرين الأفارقة للعمل كباعة متجولين في الشوارع للبقاء على قيد الحياة في إيطاليا
وترى نوابوزو أنه يمكن لإيطاليا أن تنهي الأشكال الهيكلية والمنهجية للعنصرية. ولكن معالجتها تتطلب طريقة مختلفة في المجتمع، سواء في التنظيم أو التفكير. وتشرح: “العنصرية والتمييز ليسا متجذرين في مجتمعنا. لقد أنشأناهما ويمكننا تفكيكهما”.
وتشدد نوابوزو على أنه “إذا نظرنا تحديدا إلى إيطاليا وقوانين الهجرة والجنسية فيها، فتجب معالجتها وتغييرها.. حتى لا يخلقوا نوعًا من النظام الطبقي ذي المستويين: مستوى للإيطاليين البيض ومستوى للمهاجرين، الذين قد يكونون من الجيل الأول أو الثاني أو الثالث في إيطاليا”. كما دعت نوابوزو إلى صياغة خطة عمل وطنية شاملة ضد العنصرية، وإن كانت مثل هذه الخطة لن تُحدث تغييرات مرئية على الفور، ولا حتى في غضون خمس أو عشر سنوات.
اغتنام الفرصة
وترى الباحثة نوابوزو أنه “يمكننا إجراء تغييرات، وأعتقد أن هذه فرصة لواضعي السياسات والمؤسسات للجلوس مع المنظمات التي تنشط في مجال مناهضة العنصرية، ومع ممثلي المجتمع المدني، والضحايا، والتحدث عما يجب تغييره لمنع حدوث مثل هذا مرة أخرى”.
ويتفق معها كودوس أديبايو، زميل المركز الأفريقي للهجرة والمجتمع بجامعة ويتووترسراند في جنوب أفريقيا. ويقول خبير الهجرة لـDW: “لابد من وجود التزام مؤسسي لضمان أن هذا النوع من العمل والطريقة الفعلية لمقاضاته قد تم وضعها بشكل صحيح”. ويضيف: “لابد من اعتماد الأمر في التعليم على مستوى الأشخاص العاديين حتى يتمكنوا من معالجة هذه المشكلة”.
الكاتب: كريسبين مواكيديو