أكيتو، أو رأس السنة الآشورية البابلية، هو أقدم عيد في تاريخ البشرية، ويحتفل به حتى يومنا هذا في مطلع شهر أبريل/ نيسان من كلّ عام.
في بلدة القحطانية في محافظة الحسكة، شمال شرقي سوريا، احتفل الأشوريون بالعيد، بملابسهم ورقصاتهم التقليدية، معلنين بدء سنة 7322 بحسب التقويم القديم لحضارات ما بين النهرين.
يحتفل الأشوريون والكلدان والسريان في العراق وسوريا بهذا العيد، بالرغم من أنهم لا يدينون بأديان الحضارات القديمة التي سادت في بلادهم قبل آلاف السنين.
فصحيح أنّ هؤلاء باتوا يعتنقون الديانة المسيحية، إلا أنّهم احتفظوا بتقاليد الأجداد القدماء، ولم يبددوها.
وكما هي الحال مع أعياد الربيع الأخرى، مثل النوروز لدى الإيرانيين والأكراد، وشم النسيم لدى المصريين، يحفظ الأشوريون والكلدان والسريان تقاليد الحضارات البابلية والسومرية والأكادية والكلدانية القديمة.
وكانت الشعوب القديمة في منطقة بلاد الرافدين وسوريا، تحتفل بحسب دورة الطبيعة، بأعياد الحصاد والزرع.
يختلف المؤرخون حول معنى كلمة أكيتو الدقيق، وقد فسرها الباحث العراقي، خزعل الماجدي، بأنها تعني تقريب الماء من الأرض، فيما يفسرها آخرون بأنها بذر القمح.
وعلى اختلاف أساطير الحضارات القديمة، كان يعتقد أن عودة الربيع تعني صعود الاله دموزي من عالم الأموات، وعودته إلى الحياة، كما تعود البذور إلى الحياة من جديد بحلول الربيع وتجدد الطبيعة.
بحسب موسوعة بريتانيكا، كان عيد أكيتو في الحضارة البابلية، عيداً للزرع وتحضير التربة للبذور والسقي.
فرد الباحث والأكاديمي السوري، فراس السواح، فصولاً من كتبه للحديث عن طقوس الاحتفاء بدورة الطبيعة في الحضارات العراقية والسورية القديمة.
ويشير إلى نص طويل يحتوي على شرح طقسي كامل لكلّ ما يجب القيام به خلال فترة العيد التي تستمرّ 12 يوماً.
وفي اليوم الرابع، كان الملك يدخل إلى المعبد بكل خضوع، فيجلسه الكهنة أمام تمثال الإله مردوخ، ويجدرونه من حليه وصولجاه، ويصفعونه، ويرغمونه على الخضوع لإله الخصب ومجدد الطبيعة، بحسب الأسطورة القديمة.
وبحسب الأسطورة البابلية، كان موت مردوخ، قبل عودته إلى الحياة في الربيع، يعني اختلال نظام العالم. ذلك كانت تعم قبل العيد حالة الفوضى، وكان يؤتى بأحد المجرمين المحكوم عليهم بالإعدام، فيلبس ثياب الملك ويجلس على عرشه.
وتحدّث حنا صومي مسؤول الجمعية الثقافية السريانية في سوريات، لوكالة أنباء هاوار الكردية الصادرة من بلجيكا، عن تقاليد العيد في القدم: “كان الملك يركب على عربة، ويشد الشعب أذنه، في دلالة على ضرورة أن يصغي الملك للشعب، وأن تكون كلمة الشعب مسموعة وأن الشعب هو الفيصل، ويصغي الملك للشعب ويقول للشعب اجلسوا مكاني”.
وأضاف: “بعد أن يجلس الشعب في مكان الملك، يختفي الملك بين عامة الشعب، تحدث فوضى عارمةً في بابل، وفي 1 نيسان يتم العثور على الملك، وتعم الأفراح في المنطقة، وكذبة نيسان الشهيرة جاءت من هنا، أي مفادها إن الملك لم يختف اختفاءً حقيقيًا بل كان هناك تمثيلية”.
ويعتقد دارسو المعتقدات القديمة وطقوسها، أن تأثيرها لا يزال حاضراً في العديد من الشعائر المقدسة لدى الأديان السماوية، ويمكن إيجاد آثارها في احتفالات أسبوع الآلام وعيد الفصح أو القيامة لدى المسيحيين، أو في مراسم الحزن التي تقام في عاشوراء لدى المسلمين الشيعة.
وبالرغم من ذلك، لا يزال الاحتفال بأكيتو قائماً في العديد من المناطق وفق طقسه الأصلي، خصوصاً أنه بقي عيداً معتمداً في القرون الأولى للمسيحية، وامتدت فكرته إلى كافة شعوب المنطقة في حينه.
ويكرر المحتفلون بالعيد ما كان يفعله القدماء، من رقص وفرح، وارتداء أزياء شعبية مزركشة تحتوي على تطريز، وريش، ويؤدون مشاهد درامية فلكلورية تشبه أسطورة انبعاث الحياة من الأرض بعد الشتاء.