بدأت عروض فيلم “دفاتر مايا” أو “ميموري بوكس” لجوانا حاجي-توما وخليل جريج الجمعة 25 مارس في كيبيك.
إنها قصتي أيضا ولا تخّص جوانا وحدها
، أجابني خليل جريج وأردفت جوانا حاجي توما قائلة: لا بل هي قصتك وقصته وقصة كل مشاهد يتصّفح دفاتر مايا إذ يشعر بالانتماء إليها وأنها تحاكيه في مكان ما. وهذا ليس على صعيد المشاهد اللبناني فحسب وإنما أيضا المشاهد عموما في كل أصقاع الأرض، الذي يؤكد لنا بعد كل عرض أن في الفيلم ملامح من حياته والهواجس التي تملأ فِناء روحه
. علما أن فركة الفيلم مستوحاة من مراسلة حقيقية قامت بين جوانا وصديقة لها هاجرت إلى فرنسا,هذا المنحى في عالمية المعالجة أسهمت أولا في استقطاب المنتجين الكنديين والفرنسيين لتمويل الفيلم وثانيا في استرجاع الفن السابع اللبناني لمكانته في المهرجانات السينمائية الدولية.إذ اختار مهرجان برلين السينمائي العريق ميموري بوكس لافتتاح دورته الـ 71 الافتراضية بسبب الجائحة في آذار/مارس 2021، ووضعه على قائمة المنافسة الرسمية. علما أن لبنان غاب عن التنافس على الدب الذهبي في العقود الأربعة الماضية. في مونتريال، توّج أيضا مهرجان سينمانيا للسينما الفرنكوفونية (نافذة جديدة) في دورته الافتراضية العام الماضي دفاتر مايا واستحقت جائزة الإشعاع لأفضل فيلم بإنتاج كيبيكي بجزء منه.يبدو أن هناك حكاية عشق نشأت بين المخرجَين الضيفين ومدينة مونتريال بعد باكورتهما السينمائية عام 1999 البيت الزهري الذي صوّر في مونتريال بإنتاج كندي-فرنسي مشترك.منذ ذلك الوقت، بدأت الزيارات المكوكية لجريج وتوما إلى المدينة الكوسموبوليتية ليس لعرض الأفلام فحسب بل إنما أيضا لإقامة المعارض التشكيلية البصرية التي تشكل في الأساس الصنعة والاحتراف الأول في حياة الفنانين الزوجين.باتضاع وخفر، يقول لي خليل جريج نحن لم ندرس السينما وإنما نمتهن اللغة البصرية.
أنا وجوانا لم ندرس الفن السابع، ولكن دخلنا إليه لكي نعالج مشاكل الماضي لنستطيع أن نعيش حاضرنا وليكون عندنا أمل في المستقبل.
نقلا عن السينمائي خليل جريج
تعتبر دفاتر مايا
تحفة بصرية طليعية، استنبطت الحياة ووزعت الحركة في صور فوتوغرافية جامدة. أدخل الفنانان إلى الصورة روحا وانفاسا ولهوا ولعبا وفرحة وبهجة وسرورا، وأحيت التقنية الرقمية من جديد مواسم غابرة وحقبات طواها الزمان. لقد أخرج خليل وتوما الصورة من الكادر وأدخلاها إلى حياة ويوميات البطلات من الجيل الأول والثاني والثالث. مما دغدغ مشاعر المشاهد ودخل بدوره مع شخصيات الفيلم إلى تلك العوالم المنسية بنوستالجيا واشتياق.
السينما فن بالنسبة لنا ولكنها أيضا واجهة بصرية جمالية تجذبك وتفتنك. مما لا شك فيه أن الصورة تشكل عنصرا جاذبا في كل فيلم سينمائي. يتمتع المشاهد بالصورة ويدخل عبرها في نوستالجيا حميمية خاصة.
نقلا عن الفنان خليل جريج
الكادر الأول في الفيلم أراده المخرجان في مونتريال، في شهر كانون الأول/ديسمبر عشية عيد الميلاد، الثلوج تكسو الأرض، والبرد القارس يجبر عائلة مايا على البقاء في البيت. لم تكن قد بدأت الجائحة بعد عندما بدأنا بتصوير الفيلم، ولم نكن لنجد مكانا أفضل من مونتريال لتحقيق إطار من الحجر والعزلة بسبب الثلوج. استخدمنا هذا الإطار لتبدأ المراهقة أليكس ابنة مايا رحلتها لتغيير مسار الشخصيات النسائية الرئيسية في الفيلم: الجدة والأم والحفيدة
.
في تلك الليلة المونتريالية الباردة تتلقى مايا طردا بريديا يحتوي على مجموعة صور وكاسيتات تسجيل ورسائل كانت قد كتبتها في ثمانينيات القرن الماضي على مدى ست سنوات، إبان الحرب الأهلية اللبنانية لصديقتها ليزا التي هاجرت إلى فرنسا.
وجه تشابه بين دفاتر مايا وحرائق لوجدي معوّض
يلتقي فيلم دفاتر مايا في نواحي كثيرة مع رائعة المسرحي الكندي اللبناني وجدي معوّض (نافذة جديدة) حرائق
عن ذاكرة الحرب اللبنانية الأهلية أيضا. بطلة المسرحية المعوّضية نوال تكتب أيضا رسائل لأولادها الكنديين ستغيّر حياتهم إلى الأبد.
وعلى غرار وجدي معوّض، يعتقد جريج وتوما أن الإنسان لا يقدر أن يعيش حاضره إلا إذا تحرّر من ماضيه وأعاد التصالح مع ذاته.
مايا شخصية غريبة نوعا ما، نراها في بداية الفيلم على مسافة من والدتها وابنتها المراهقة على حدٍ سواء. مسافة خلقتها مذ تركت لبنان لتحمي نفسها حتى من نفسها. وفي لبنان تركت مايا جزءا كبيرا منها.
نقلا عن السينمائية جوانا حاجي توما
وقد استعادت مايا بعضا من تلك الأجزاء بفضل ابنتها التي أصرت على نبش الماضي وإعادته إلى الحياة لتفهم أكثر لغز الحزن والاسى عند والدتها وتعيد اللحمة بين الماضي والحاضر.في كندا نسيت مايا أحلامها وطموحاتها، طوت صفحة الماضي ووضعت حاجزا بينها وبينه حتى صديقتها ليزا انقطعت عنها على مدى ربع. ركنت مايا نفسها على الرف وانخرطت في عجلة الحياة الكندية.
كل الجيل اللبناني عليه أن يعيد ذاكرة الحرب ليشفى من أسقام الروح ويتصالح مع ذاته.
نقلا عن المخرج السينمائي خليل جريج
لا بدّ من الثناء على خاصيّة المخرجين الضيفين التي تعتمد على ترك المساحة للعفوية والارتجال عند الممثلين وهم من المحترفين وغير المحترفين. يقول الضيفان إن هذا يحفّظ على المشاركة والتبادل بين كل أفراد فريق العمل وقد تفاجئين بالإضافة الجميلة التي تحفزها هذه الخصوصية في إدارة الممثلين
ذاكرة الجيل الثالث خصبة متدفقة
تؤكد جوانا حاجي توما على التباين والاختلاف بين الأمس واليوم على أصعدة كثيرة،في الماضي كان للبريد العادي قيمة والصورة الفوتوغرافية التي تلتقطها عدسة الكاميرا كانت الوسيلة الوحيدة لتخليد الذكرى. كنا نكذب أيضا على أهالينا للخروج مع الأصدقاء وكانت الحرب مسرحا فحسب نلعب عليه بطولات وصولات، كان مفهومنا للحياة غير
.
ذاكرة جيل اليوم كثيفة بفضل تطبيقات الهواتف الذكية ووجود وسائط عديدة يسمح بها العصر الرقمي.
ابنتي على تطبيق إنستغرام نشرت ستين ألف صورة قديمة، هي إجمالي ما أنتجته أنا على مدى ربع قرن.
نقلا عن الفنان خليل جريج
لم يكن عندنا في الماضي ذاكرة كفاية واليوم الذاكرة كثيفة بفضل التكنولوجيا الرقمية.
نقلا عن الفنانة جوانا حاجي توما
دفاتر مايا تساهم في طرد أشباح الماضي
يؤكد خليل جريج وجوانا حاجي توما بأن فيلمهما ليس عن الحرب اللبنانية وإنما عن الحياة في ظروف الحرب. صحيح أنه يحكي عن الماضي ولكنه يحكي أيضا عن الحاضر وعن حياة هذه العائلة في مونتريال.
في حياته مع شريكته في الحياة وفي الفن التي تتحدر من أصل لبناني أيضا، يقول خليل جريج إنهما يحتاجان إلى إعادة سرد كل الماضي لعّل ذلك يساهم في رحيل بعض الأشباح من حياتنا، ترتحل أشباح الماضي عنا وترتاح، عندما نواجهها.
في منزل جريج هناك أيضا عقد وأسرار، كما في بيت مايا.
لسنا نعيش في اللالا لاند ولا في مدينة أفلاطون الفاضلة، والمطلوب التصالح قدر المستطاع مع الماضي لتتغيّر حياتنا إلى الأفضل ونمنع الأحلام من أن تتداعى.
نقلا عن خليل جريج
الصداقة والحب يمكن أن يعودا في مكان ما، ولكن يترتب على كل مشاهد أن يأخذ القرار بنفسه في ما يتعلّق بمصير مايا ومستقبلها.
نقلا عن جوانا حاجي توما