تؤكد نائبة الرئيس في الأبحاث وكبيرة الاقتصاديين في مؤسسة ’’ مجلس أرباب الأعمال في كيبيك‘‘ نورما قزحيا بأن تدخل المصرف المركزي الكندي في الوقت المناسب للحد من تضخم الأسعار عبر رفع معدل الفائدة الأساسي في البلاد لخمس مرات على التوالي، من شأنه ’’أن يساهم آجلا ربما في ضبط معدل التضخم قبل أن يتراكم على مدى سنوات.‘‘
وتتوقع المتحدثة أن يعمد المصرف المركزي إلى المزيد من الزيادات على معدل الفائدة الأساسي ’’للحؤول دون تجذّر التضخم المرتفع.‘‘
تطمئن الخبيرة الاقتصادية إلى أن معدلات البطالة في كندا هي حالياً أدنى بكثير من تلك التي شهدتها البلاد أوائل الثمانينيات من القرن الماضي. وتنقل أن المحللين الاقتصاديين يستبعدون أن تشهد كندا ركودا اقتصاديا آجلا، لأن حاجة السوق المحلية المتزايدة إلى اليد العاملة تساهم في بقاء معدل البطالة منخفضا وبالتالي ’’فإن شبح الركود يبقى بعيدا على الأقل في القريب العاجل.‘‘
التفاؤل ليس في أنه لن تكون هناك أزمة اقتصادية، ولكن التفاؤل يكمن في أنه لو حصلت هذه الأزمة فإنها ستكون مقبولة ولن نرجع كثيرا إلى الوراء.
نقلا عن نورما قزحيا، كبيرة الاقتصاديين في مجلس أرباب الأعمال في كيبيك
تشير المتحدثة إلى أنه قد لا يستطيع المستهلك شراء كل السلع التي يحتاجها وستكون بعض الشركات على شفير الإفلاس وسيشهد النمو الاقتصادي تباطؤا، ولكن لا تتوقع قزحيا ’’أن يتراجع الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 4% أو 5%.‘‘
لا يعلم صاحب محال ’’Les Trois Gourmets‘‘ على شارع مون رويال (Mont-Royal) في وسط مدينة مونتريال أمين بو سنّة إلى أين ستصل به الحال في ظل تضخم الأسعار المتزايد. وقد اضطر أكثر من مرة في أقل من سنة واحدة إلى رفع أسعار السلع والبضائع التي يستوردها من أوروبا. يقول تاجر التجزئة إن سعر السلعة المستوردة ارتفع بنسبة تتراوح بين 15% إلى 20%، كما ارتفع أيضا سعر الشحن البحري بنسبة تتراوح ما بين 30% إلى 40%. ويعمد التاجر الكندي الجزائري إلى تسديد 50% من الزيادة من جيبه الخاص.
إزاء زيادة سعر كيس المعكرونة الإيطالية دولارا واحدا خلال عام، قام بو سنّة بتخفيض نسبة أرباحه ليتحمل نصف الزيادة ويرفع سعر هذا المنتج 50 سنتا في محله. حافظ المتحدث بذلك على زبائنه الذين، وإن انخفضت نسبة استهلاكهم إثر غزو روسيا لأوكرانيا، عادوا اليوم إلى ارتياد محله بشكل منتظم.
ألبير سليمان الذي يملك عدة محلات للبيع بالتجزئة، ما يعرف في كيبيك باسم ’’ديبانور‘‘ (Dépanneur)، يؤكد من جهته أيضا ارتفاع تكلفة الشحن، علما أنه يستورد سلعا من لبنان.
اعتمد سليمان خطة لتحمل عبء تكلفة الشحن المتزايدة عبر زيادة عدد السلع التي يشحنها في الكونتينر الواحد.
محال تجارية تقفل أبوابها
يوضح بو سنّة أن الحرب في أوكرانيا دفعت في شكل سريع إلى رفع الأسعار في أوروبا. لقد أقفلت عدة مؤسسات صناعية أبوابها وافتقرت بذلك السوق الأوروبية إلى التنوع في السلع، ليتقلص العرض مقابل الطلب. يضاف إلى ذلك ’’أن دولا مثل بولندا مثلا توقفت عن التصدير للخارج، لتغطية حاجة الاستهلاك المحلي.‘‘
يقول سليمان إن ’’التنوع في المنتج الواحد تقلص، ونبيع اليوم صنفا واحدا من معجون الطماطم مثلا.‘‘
ولكن معظم السلع في محلاته تصنع في كندا مثل الجعة والسجائر والمشروبات الروحية والحليب والخبز وغيرها. يرد سليمان بأن حجة المصانع المحلية أنها تستورد المواد الأولية من الخارج ومنها ما زال متوفرا مع ارتفاع سعره ومنها ما لم يعد متاحا إطلاقا، لقد وقعت الخسارة في البداية على المصنع من ثم الموزع من ثم التاجر والمستهلك.‘‘
يشير الموزع أيضا في السوق المحلية في مونتريال من أصل جزائري أمين بو سنة إلى أن ثلاث محال تجارية على الشارع الذي يقع عليه محله أقفلت أبوابها مؤخرا.
ولكي لا يصيبه المصير ذاته، يعمد المتحدث من حين لآخر إلى بيع عشرات السلع بسعر التكلفة مشجعا المستهلك على الاستمرار في ارتياد محله، ’’فبعض الخسارة ولا كلها،‘‘ على حد تعبيره.
نقص في اليد العاملة
تلاحظ الحائزة على شهادة الدكتوراه في الاقتصاد من جامعة مونتريال نورما قزحيا تأثير الجائحة والحرب في أوكرانيا، وهذه الأخيرة أدت إلى افتقار أسواق العالم إلى منتجات الحبوب والقمح والغاز والمعادن والنفط، ولكن يجب عدم نسيان أنه كانت هناك مشكلة أساسية تعاني منها كندا قبل كل ذلك وهي النقص في العمالة.
اشترى رشيد فيتاس لأول مرة في سنوات هجرته في كندا ’’ديبانور بيار‘‘ في وسط مونتريال عشية بدء جائحة كوفيد-19. يقول إن ثمن مواد الاستهلاك الأساسية مثل الحليب والخبز ارتفع مرتين على الأقل منذ بداية العام الحالي. ’’لقد زاد سعر السلعة الواحدة أكثر من دولار، كذلك يتسبب النقص في اليد العاملة بضرر مزدوج، أولا لأننا نقوم بوظيفة الشخص الذي كان يوصل طلباتنا من الموزعين وثانيا لأننا نغطي ساعات العمل الطويلة التي نفتقر فيها إلى موظفين.’’
تجدر الإشارة إلى أن رجل الأعمال الكندي المغربي يعمل نحو 15 ساعة في اليوم على مدى سبعة أيام الأسبوع، لأن الإيرادات لا تكفي لدفع راتب موظف بدوام كامل، خصوصا انه مبتدئ في مجال ريادة الأعمال.
على خلاف فيتاس، يوضح ألبير سليمان صاحب خبرة في ريادة الأعمال في كندا منذ أكثر من 30 عاما، أن زمن الجائحة عاد عليه بالربح الوفير، إذ تضاعفت أرقام المبيعات لديه نظرا إلى أن الديبانور اعتبر محالا تجاريا أساسيا في ظل التدابير الاحترازية التي فرضتها الجائحة.
هذا ويجابه المتحدث مشكلة تضخم الأسعار بمتابعة تغيير الأسعار يوما بيوم، ويطبق الأسعار الجديدة في محلاته من دون تأخير.
يقول سليمان ’’من لا يراقب بدقة التطورات في السوق، قد يشتري بالسعر الغالي وتبقى مبيعاته بالسعر الرخيص القديم، لذا يتطلب الأمر دراية وخبرة.‘‘
إن الخسارة واقعة على المستهلك في الدرجة الأولى.
نقلا عن ألبير سليمان، نائب رئيس تجمع أصحاب محلات الديبانور المستقلين في كيبيك (AMDEQ)
ولفت المتحدث إلى أن الزيادة في الأسعار التي يفرضها عليه الموزع، يفرضها هو بدوره على المستهلك، محتفظا دوما لنفسه بهامش ربح يصل إلى 30%.
في المقابل يحرص رجل الأعمال الكندي اللبناني على توفير خدمات أخرى لعملائه على رأسها الجودة في الخدمة والتعامل: ’’لا مواد أو سلع منتهية الصلاحية في محلاتي وأوفر قدر الإمكان كل المنتجات التي يحتاجها العملاء.‘‘ ’’لا يجب أن يقول الزبون ’’إنني ذاهب إلى الديبانور، بل أنا ذاهب إلى عند ألبير.‘‘
يقول جان بيار صاحب ديبانور في منطقة نائية قريبة من مدينة شاوينيغان شمال كيبيك، التقيته خلال انعقاد ’’المؤتمر السنوي لتجمع أصحاب محلات الديبانور المستقلين في مقاطعة كيبيك (AMDEQ)، ’’إن 3000 من رواد مواقع التواصل الاجتماعي يقرأون الإعلان عن حاجتنا إلى موظفين ولكن يظهر شخصان فقط اهتمامهما.‘‘
بدوره، يقول نائب رئيس التجمع ألبير سليمان إنه في العادة يكون لديه نحو 76 موظفا في محاله التجارية الستة، واليوم انخفض هذا العدد إلى 50 موظفا فقط. مؤكدا أنه ’’حسب إمكانية الموازنة العامة للمحال التي أملكها، أستطيع توظيف المزيد من العاملين براتب الحد الأدنى ولكنني لا أجد راغبا بالعمل.‘‘ يُعقب المتحدث ’’هناك دائما مشكلة ولكن هناك أيضا ألف حل وحل نجده لها‘‘.
الهجرة جزء من الحل لإنعاش الاقتصاد في كيبيك
تثمن الخبيرة الاقتصادية الكندية اللبنانية نورما قزحيا جهود أرباب الأعمال في المؤسسات المتوسطة والصغيرة الذين يعملون على رأب الخلل في التوازن الذي يحدثه النقص في العمالة. إنهم يسدون النقص عبر زيادة ساعات عملهم وتقليص أوقات افتتاح متاجرهم وتقديم تحفيزات للموظفين وغيرها من التدابير التي تساهم في استمراريتهم. وهم بلا شك يحققون بذلك حدا أدنى من الإيرادات.
تعاني كيبيك من نسبة شيخوخة مرتفعة، وخروج جيل الـ’’بيبي بومرز‘‘ (جيل طفرة المواليد بعد نهاية الحرب العالمية الثانية) من سوق العمل اليوم بعد أن بلغ أفراده سن التقاعد، هو في أساس مشكلة النقص في العمالة حسب نورما قزحيا. تقول ’’إن هذا الأمر يستدعي من الحكومة المقبلة في كيبيك، اعتماد سياسة جديدة تساهم في جذب واستقطاب المزيد من المهاجرين. وقد أوصينا في الكتاب الأبيض حول الهجرة، الذي صدر في شهر مايو الماضي عن مجلس أرباب الأعمال وشاركت في صياغته، أن تستقبل كيبيك 000 100 مهاجر سنويا.‘‘
نأمل في أن تكون الحكومة الجديدة التي سيتم انتخابها يوم 3 تشرين الأول / أكتوبر المقبل في كيبيك أكثر انفتاحا على استقبال المزيد من المهاجرين.
نقلا عن نورما قزحيا، كبيرة الاقتصاديين في مجلس أرباب الأعمال في كيبيك
(أعدت التقرير كوليت ضرغام منصف)